الصباح
كمال الهلباوى
النموذج والاستيراد (2-2)
تحدثت فى المقال السابق عن النموذج فى الإسلام والقيم العظيمة المرتبطة به ونموذج العبادة الشامل، كما جاء فى القرآن والسنة وسير الصالحين. العبادة المقصودة هنا نوعان، كما قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فيما فهمه من القرآن العظيم «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِى الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ». العبادة -نعم- نوعان:عبادة دينية، وهى ذكر الله فى الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من أعمال العبادة والخير. والعبادة الثانية، هى عبادة كونية، ومعناها أن يتعلم المسلم أسرار الكون المحيطة به، وهذا أولًا: يأتى بالتفكر فى خلق السماوات والأرض بالأدوات الصحيحة لكل عصر، ولو أننا فهمنا ذلك وعملنا به ما سبقتنا أمريكا ولا غيرها فى أى من المجالات حتى فى غزو الفضاء، ولا فى القوة التى ترهب الأعداء الحقيقيين للأمة والإنسانية. فلماذا لا نأخذ أحسن ما فى التراث والمنهج وما عند السلف الصالح؟ يقول القرآن الكريم «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ» فهل أعددنا القوة أم أننا نستورد قوة من غيرنا للعدوان على بعض منا وعلى بلادنا؟
سؤالان مهمان ينتظران إجابة علمية وعملية وليست إجابة شفوية. السؤال الأول هو: هل يظن عربى خصوصًا أو مسلم عمومًا، أن الله -تعالى- خلقنا بعقول وقدرات أدنى من الذين تقدموا اليوم، وأثروا البشرية، وأغنوا الإنسانية بالحضارة المعاصرة؟ يعنى بالفصيح، هل المرض والتخلف فى الجينات، ومقصور على العرب والمسلمين؟
اعتقد بعض المستشرقين ومن ساروا فى فلكهم ذلك، وهذا غير صحيح بالمرة، كما سيقول العرب والمسلمون. ويأتى السؤال الثانى: لماذا يتقدمون، ونحن نتخلف أو نقف مكاننا؟
إن طريق التقدم ليس حكرًا على أحد، وهذا من الحكم العظيمة، حيث نقرأ فى القرآن الكريم «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ». وطبعًا التقدم وتقديم نموذج من الخير، والتخلف بالتأكيد من الشر. نحتاج إلى بيئة حاضنة للتقدم والنمو، وقد نجد هذه البيئة فى أماكن عديدة بالنسبة لكل شىء فى الحياة وطبعًا فى الغرب، ولكن بيئة التقدم والرقى الأخلاقى الكامل، لا توجد إلا فى المنهج الربانى القويم والقيم السماوية، وستظل البشرية رغم تقدمها فى العديد من الميادين، أدنى من تحقيق تلك القيم السماوية أو الوصول إليها بالعقل فقط، ما لم يجدوا النموذج المفتقد حتى اليوم، ولن يتحقق النموذج عندنا طالما كنا نستورد كل شىء حتى النظام السياسى، وما يقوم عليه من قيم، هى ركائز لذلك النظام.
الفراغ فى قيم الميادين الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والسلوكية فى العالم كله قائم وينتظر من يملأه. العالم مشغول بامتلاك القوة والسيطرة والهيمنة والصراع والتفوق على الآخرين بالحق أو بالباطل، ولا تستطيع الأمة أن تملأ هذا الفراغ سريعًا ما لم تكن نموذجًا، بدلًا من أن تقدم للعالم نموذج «القاعدة» ثم «داعش» ثم ما يستجد أو ما بعد داعش، فداعش ليست نهاية المطاف، أو نموذج ما دعت إليه» الجبهة السلفية» فى 28 نوفمبر 2014 من ثورة المصاحف الذين قالوا للشباب أطلقوها «ثورة لا تبقى ولا تذر». نموذج تخريبى، فشل فشلًا ذريعًا، والحمد لله تعالى. كيف تكون الثورة الدينية التى نادى بها الرئيس السيسى نموذجًا يحتذى أولًا فى العالم العربى والإسلامى؟ هذا هو أهم المحاور المطروحة على المؤسسات المعنية وخصوصًا الأزهر والأوقاف والإعلام والقضاء والشعب كله.
أسئلة عديدة ستظل قائمة ما لم نغلق أبواب القابلية للاستيراد فى كل شىء ونتجه إلى الإنتاج، ويكون المؤتمر الاقتصادى القادم، عن ماذا تصدر مصر، وليس ماذا تحتاجه مصر، ولا يغلق هذا الباب إلا بالعمل «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» والله الموفق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف