الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
خدمة الدين لا استخدامه
خدمة الدين شرف عظيم. وهي مهمة الأنبياء والرسل. والعلماء العاملين. والمؤمنين المخلصين. يقول الحق سبحانه: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم". فالدعوة هنا إلي الله ولله. ولا إلي طائفة أو إلي جماعة أو إلي جمعية أو حزب. فالدين لله عزوجل والدعوة لا تكون إلا له وإليه. والمساجد لله عزوجل. فلا ينبغي أن نخرج بها عن مهمتها إلي الاستخدام النفعي أو الدنيوي العاجل. أو تحقيق المصالح الخاصة. يقول رب العزة: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" فإخراج المساجد عن كونها لله عزوجل وإليه. وإلباسها ثوباً غير ثوبها. وشغلها بملا يؤشر إلي انتماء معين أو جهة معينة أو جماعة معينة أو فكر معين هو خروج بها عما شرعت له.
وينبغي في العمل الديني الشرعي إخلاص النية إخلاصاً كاملاً لله عزوجل لا يداخله غرض آخر. يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوي. فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هاجر إليه" ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "من عمل عملاً أشرك فيه غير الله فليطلب أجره من غير الله . فإن الله عزوجل أغني الشركاء عن الشرك" ويقول "صلي الله عليه وسلم": "لا يقولن أحدكم هذا لله وللرحم فهو للرحم ليس لله عزوجل منه شيء ولا يقولن أحدكم هذا لله ولوجوهكم فإنه لوجوهكم ليس لله عزوجل منه شيء".
وقد ابتلي ديننا الحنيف بأناس يتاجرون به حزبياً. وطائفياً. وانتخابياً. وحتي دعوياً. فهناك من يحاول أن يجند الناس باسم الدين والدعوة إلي الدين لمصالح حزبية أو تحقيق مكاسب انتخابية بذريعة أن هؤلاء هم من سيحمون دين الله عزوجل.
وهناك من يستخدمه طائفياً لتجييش عواطف طائفة ما ضد طائفة أخري من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية. وقد ذكرت في أكثر من موقف أننا ليس لدينا أي عقد تجاه أصحاب المذاهب المختلفة طالما أن الأمر لا يعدو حرية اختيار المذهب أو المعتقد. أما أن توظف بعض الطوائف أتباعها لخدمة أهداف وملفات سياسية فهذا هو الخطر الداهم. علي نحو ما يفعله الإيرانيون في التسلل المذهبي والعمل علي نشر التشيع في المجتمعات السنية. ويبدو الأمر في بداياته علي أنه أمر عقدي وقناعات فكرية لا علاقة لها بالسياسة. ثم سرعان ما تنكشف الحقائق بالاطماع السياسية بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل. وعندما تحدث بعض المقربين من أركان الحكم الإيراني عن السيطرة علي أربع عواصم عربية لم نسمع أي استنكار رسمي من إيران أو أتباعها بالدول المذكورة. وكأن هذا أمر موجه يدفع به كوسيلة لمعرفة مدي قوة رد الفعل العربي السني. ثم تبني إيران وأتباعها خطواتها التالية علي ما يكون من رد الفعل العربي. لكن رد الفعل العربي هذه المرة كان واضحاً وحاسماً ومباشراً وجاء فعلاً لا قولاً في عاصفة الحزم التي خرجت في روح عربية جديدة وشجاعة ومدركة لخطورة هذا التحدي الإيراني البشع. وللمخططات التي لا يخفي فيها الربط بين الملف النووي الإيراني والنفوذ الإيراني في المنطقة. وقد لا نستبعد المقايضات السياسية. فحتي إذا لم تجن إيران مكاسب في ملفها النووي فإنه يمكن لها أن تجني مكاسب فيما يتصل بنفوذها في المنطقة. ومع أننا ليس من شأننا الاعتداء أو التدخل في شئون الآخرين أو إقحام أنفسنا فيما بين الآخرين. فإن أمننا الوطني والعربي والقومي خط أحمر ولا مجال للمفاصلة فيه أو السماح بالتدخل في شئونه.
ويجب أن يعلم القاصي والداني أن الأمة العربية بقياداتها الواعية قادرة علي تأمين أبنائها من أي غزو سياسي أو فكري. كما أنها قادرة علي حماية أمنها القومي وحماية أرضها وسمائها وترابها. ومع ذلك فأيدينا جميعاً ممتدة للسلام العادل والتسويات العادلة والاحترام المتبادل بين الناس والشعوب شريطة ألا يكون ذلك شكلياً. وأن تكون هناك قناعات بأن نخلي بين الناس وبين ربهم فيما يختارون ويعتقدون. ويجب ألا يحاول أي طرف أن يلعب بورقة الدين فهي ورقة محرقة شديدة الإحراق لمن يلعب بها أو يناور.
وإننا نؤكد أن خير مصر يسع جميع أبنائها. وخير الأمة العربية يسع جميع أبنائها. وخير المنطقة يسع جميع أبنائها. وخير الله يسع الإنسانية كلها. لو كان سبيلنا التعاون والتكامل والتراحم لا محاولات الإبادة أو الإقصاء أو القهر أو الهيمنة الكاذبة. وكان طريقنا هو العمل الجاد الدءوب والبناء لا الهدم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف