الجمهورية
على هاشم
ماذا لو لم ينحاز السيسي لثورة 30 يونيو..؟!
¼ في مثل هذا اليوم قبل 3سنوات ثار الشعب ضد الإخوان. وخرجت ملايينه إلي الشوارع تطالب برحيلهم عن الحكم.. هذا اليوم يذكرنا بمشاهد وتفاصيل مؤلمة كادت تدفع بمصر إلي حافة الهاوية.. مشاهد رعب جراء العنف الذي كاد يفضي بنا لاحتراب أهلي دفع إليه الاستقطاب الأيديولوجي الحاد وصراعات الهوية المفتعلة وغياب الحوار والتسامح. وحضور التعصب. وضيق الصدور بالاختلاف.. عاشت مصر أيامًا صعبة منذ اندلعت ثورة يناير. وازدادت صعوبتها بصعود الإسلام السياسي للحكم.. حتي تخلصت منه مصر بصعوبة بالغة.. والسؤال الطبيعي الذي يعود للذهن كلما حلت ذكري يونيو : ماذا لو لم ينحز السيسي لإرادة الشعب في 30 يونيو.. كيف كانت أحوال مصر والمنطقة والعالم أجمع.. أمريكا كانت تجهز المشهد لشرق أوسط جديد ممزق.. الكلمة العليا فيه لواشنطن وتل أبيب.. أمريكا صنعت داعش في العراق وسوريا..داعش خليط من القاعدة والبعثيين وكارهي أمريكا.. العالم العربي وضعت خرائطه الجديدة في الغرب ولم تعد سرًا.. وهدفها تمزيق الدول إلي دويلات متناحرة لضمان السيطرة عليها. وتطويعها ونهب مقدراتها.. هكذا أراد الغرب وأمريكا.. وأراد الله أمرًا آخر..!!
¼ تفنن الغرب في صناعة أدوات حروب الجيل الخامس لهدم الدول وتفجيرها من الداخل. وتكسير الإرادة الشعبية. وإذكاء الصراعات والفتن. وتوظيف الدين لإشعال هذه الحروب.
الاتفاق النووي مع إيران كان مكافأة للأخيرة لإطلاق يدها في الخليج والعراق. وجعلها مخلب قط جديدًا للمستعمر القديم.. الحروب بالوكالة تستعرعلي الأراضي العربية.. استنزاف الدول بيد أبنائها وأعراقها وطوائفها ومذاهبها.. ثراء التنوع الذي تعايش ألاف السنين صار قنابل تنفجر في وجه أبناء الوطن الواحد.. وبينما العالم العربي بركان يغلي بالانقسام والتفجير والتناحر فإن إسرائيل وحدها لم تصبها شظية واحدة ولا حتي نيران صديقة لأن الراعي الأمريكي أرادها هكذا.. الكل يخسر والكاسب الوحيد هو أمريكا وربيبتها إسرائيل ومن لف لفهما.. لكن أكثر العرب لا يعلمون.. أو يعلمون ويعجزون عن الإفلات من هذه الفخاخ المسمومة.. لقد وقعوا ضحايا الصراع المذهبي الطائفي البغيض.
الأنكي أن ثمة من يتماهي مع أمريكا. ويتبني دعواتها المشئومة بضرورة إدماج الإرهابيين في الحكم والسياسة في أكثر من دولة عربية.. فهل يمكن لمن حملت يده السلاح. وسفكت الدم. وأهدرت الحرمات. واستحلت نسيج الأوطان أن يؤتمن علي الولاية أو العهد..؟!
ماذا كان سيحدث لو أن الجيش وقف علي الحياد أو انحاز لأهل الحكم في 30 يونيو.. هل كنا نتوقع غير حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.. ودولة فاشلة أعجز من أن تدافع عن حدودها. أو توفر لأبنائها الأمن أو لقمة العيش..ناهيك عن إحراز أي تقدم في مجالات الحياة ؟!
مصر هي الجائزة الكبري.. هكذا تراها قوي الشر التي تربي الإرهاب وتصنع المتفجرات والفخاخ.. ومن ثم فعلي كتائب الشر والانتهازيين من السياسيين المأجورين أو المنقلبين الكارهين لمصر أو للسيسي أن يسألوا أنفسهم : ماذا قدمت ثورة 30 يونيو لمصر.. ألم تنفذها بداية من الفناء تحت سنابك الاحتراب الأهلي المستعر بأفكار التطرف والإرهاب.. ألم يتحسن وضعها الأمني.. ألا يسيرون فيها آمنين علي أنفسكم وأموالكم وأولادكم بعد أن كنتم مفزوعين تخافون أن يتخطفكم البلطجية أو الموتورون.. ألم تخرج مصر من عزلتها الدولية والأفريقية والإقليمية التي شجعت كل من هب ودب علي الطمع فيها. والقفز فوق دورها. واستلاب هذا الدور التاريخي.. ألم تدر عجلة الاقتصاد رغم صعوبة الأوضاع الحالية جراء السنوات العجاف التي أعقبت ثورة يناير.. ألم تلزم مصر دول العالم بالاعتراف بثورة 30 يونيو وتعود لمقاعدها في المحافل الدولية.. ألم تنتصر مصر علي الإرهابيين الذين جاءوها من الشمال والغرب والجنوب.. رغم أنها لا تزال تخوض معركة ضارية ضد الإرهاب وجذوره الفكرية التي تحتاج لاستراتيجية متكاملة تعالج أوضاع التعليم والثقافة والفكر الديني ؟!
للأسف لا تزال كتائب نشر الغضب والإحباط واليأس تسعي لإحداث وقيعة بين الشعب ومؤسساته وحكومته. وتحاول جاهدة تفريغ ثورة الشعب في 30 يونيو من مضمونها. كي ينسي الناس ما قامت به لإنقاذ مصر من مصير أسود كان ينتظرها لو مضت الأمور في طريق الصراع والتناحر والفوضي. ولا تزال تلك الكتائب تعمل بسياسة النفس الطويل وفق مناهج وخطط عدوانية لهدم مصر لصالح الجماعة الإرهابية. وتضخيم ما يقع من سلبيات هنا وهناك لتصوير الأمور وكأننا دولة فاشلة. وينسي هؤلاء أن ما تفعله الجماعة الإرهابية بمثابة رقصة الموت الأخيرة بعدما فقدت حيويتها وجاذبيتها وقدرتها علي الحشد في الشارع.. والأهم أنها فقدت مصداقيتها وتماسكها في عيون كثير من المواطنين.. لكن غياب الجماعة الإرهابية أو تغييبها عن المشهد وحده لا يكفي..فثمة فراغ علينا الاعتراف بوجوده..فراغ لم تملؤه الأحزاب السياسية. ولا الدولة بمؤسساتها المختلفة. ولا حتي المجتمع المدني.. الأمر الذي يعني أن ثمة خللاً يستوجب علاجه بالفكر والسياسة والرؤية المعمقة السديدة في معركة الدولة مع الإرهاب.. فنجاح أجهزة الأمن في التصدي للإرهابيين وشل حركتهم وإبطال تحركاتهم علي الأرض لا يكفي وحده لاجتثاث جذور الإرهاب المدفونة في التربة المصرية. فليس هناك نجاح مماثل في المؤسسات المعنية بالفكر والتعليم والثقافة والشباب. ما يعني أننا لا نزال في حاجة لجهود جبارة لنشر الوعي والاستنارة الحقيقية.. والأهم بث الروح العالية والحماسة لدي الناس كسبًا لدعمهم ومؤازرتهم للدولة في معاركها بالداخل والخارج.
بناء المجتمع المتماسك المستنير هو الضمانة الوحيدة لنجاح الدولة وهزيمة الإرهاب.. بناء العقول والضمائر والعزائم والإرادة هو المعركة الفاصلة.. فإذا كان سد الاحتياجات وإطعام البطون وكسوة الأبدان ضرورة حياة فإن صياغة العقل بالمعرفة والعلم وتطهيره من الأمية والجهل والتعصب فريضة لا تستقيم الحياة بدونها.
إن نظرة فاحصة لأوضاع مصر بعد ثورة يناير. وكيف أصابتها عدوي الانقسام علي كل شيء. وكيف غرقت في جدل السياسة. وتركت فريضة العمل ووحدة الصف. بفضل مخطط خبيث. اجتمعت له قوي الشر أملاً في تمزيق نسيج هذه الأمة. فلم يكد يمر يوم دون مظاهرة أو احتجاج ودماء وحرائق طالت كل شيء حتي¢ المجمع العلمي ¢ ولولا ثورة يونيو لاحترقت مجامع مصر كلها. وانسدت الأفاق. واختنقت الحياة.وضاقت الأرض بأصحابها بعد أن ضاقت عليهم أنفسهم.
وبصرف النظر عن تقييم هذا أوذاك للرئيس السيسي فإن التاريخ يؤكد أن شرعية الرجل لم يكتسبها يوم انتخابه رئيسًا بأغلبية ساحقة فقط بل اكتسبها يوم اتجهت إليه أنظار الملايين وتعلقت به لإنقاذ مصر مما حاق بها أو سيقت إليه.. خرج الملايين من المصريين إلي الشوارع في 30 يونيو في مشهد غير مسبوق ضد الحكم الفاشي للإخوان. ثم أعادت تلك الملايين الكَرَّة في 3 و26 يوليو لتفويض السيسي للتصدي للإرهاب. ثم مطالبته بالترشح للرئاسة. وهو ما استجاب له الرجل رغم ما أحاط به من مخاطر جسام.
انتخاب الرئيس السيسي قبل عامين كان فارقًا بين الفوضي والاستقرار. بين الانفلات وعودة هيبة الدولة. بين الاستقطاب الديني والتوحد علي أرضية الوطن.. وما كان ذلك ليتحقق إلا برئيس يؤمن بالوطن. ويعرف مقومات أمنه القومي. وأبعاد الأزمات وطرائق حلها.. رئيس يسعي جاهدًا لاستعادة منظومة الأخلاق منطلقًا للبناء.. بناء المواطن. ودافعًا للإبداع والإنتاج. وخروجًا من خلافات الجدل والتلاسن وصراعات المصالح.
لقد عاني الشعب فيما بعد ثورة يناير مرارة الصراعات السياسية وقبح الانتهازية والمطامع والأنانية.. والآن نقولها بكل وضوح : لقد تنفس الشعب أمنا بعد خوف. وإنجازًا بعد تعطل وكساد. حتي وإن كان هذا الإنجاز لم يصل بعد إلي سقف طموحات عامة الشعب.
اليوم.. تحدونا آمال كبري في استكمال ما بدأناه.. وتعويض ما فاتنا.. والاستفادة من أخطائنا.. تحدونا آمال عظيمة في إصلاح التعليم من جذوره. وليس الاكتفاء بتغيير وزير هنا أو مسئولين هناك.. تعميق الرؤية والفلسفة وتصويب المسار واجب.. يحدونا الأمل في مشروعات تصنع المجد في حاضرنا ومستقبلنا.
وإذا كان الرئيس قد قبل المخاطرة بنفسه وبمن يعول لإنقاذ مصر.. فها هو يواصل التحدي مؤمنًا بأنه لا شيء اسمه النظام بل هناك ¢ الدولة والشعب المعلم والملهم والقائد وصاحب السيادة والقرار.
المواطن ينتظر من الرئيس أن يواصل رسم البهجة علي وجوه أرهقها العبوس. وأثقل كاهلها عناء الحياة خصوصًا في سنوات ما بعد يناير.. ينتظر إجراءات إصلاحية أكثر ثورية. تكافح الغلاء والفساد تمامًا كما تكافح الإرهاب.. فالتحديات كثيرة وما أكثر المشكلات المتراكمة لكن الأمل أكبر في رئيس اختاره الشعب في ساعة العسرة وقبل التحدي والتضحيات.. رئيس يعلم أن ثمة معارك كبري في انتظارنا جميعًا لبناء هذا الوطن..معارك مع البيروقراطية والأمية والكسل. معارك ضد مخططات الفوضي والإرباك تمارسها جماعة الشر وحلفاؤها وجماعة الفساد وأذنابها وجماعة المسئولين الفاشلين المتهاونين المقصرين.. فهؤلاء لا يقلون خطرًا عن الإرهاب.. معاركنا لن نكسبها إلا بالصبر والإيمان والعلم والحماس.
لا يبقي في هذا اليوم إلا أن نقول لمن يروجون لفكرة التصالح مع الإخوان.. كفوا عن هذا اللغو وترديد عبارة صارت سيئة السمعة أريد بها إلهاؤنا وإغراقنا في الجدل والصراعات والخلافات من جديد.. واتركوا الأمر للشعب صاحب المصلحة الأول ليقرر هل يتصالح مع من سفكوا دماءه. وخرّبوا وطنه..وظني أن الشعب لم يفوضكم للحديث باسمه ولهذا فالأكرم لكم أن تصمتوا أيها الجاهلون بما يريده الشعب.. فالشعب قادر علي أن يقرر مصيره ويختار من يحكمونه بلا وصاية!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف