البديل
محمود عبد الحكيم
التخلف سبب ونتيجة
النظام المصري الحالي برؤوسه المتعاقبة أي منذ التحول الذي قاده السادات حتى السيسي اليوم يقوم على التبعية الاقتصادية والسياسية لقوى غربية استعمارية تعمل على نهب موارد مصر بأشكال متعددة ومُركّبة، وضع النظام نفسه وكيلاً لتلك القوى، منفذاً لسياساتها واتجاهاتها مسهلاً لها العمل والهيمنة مقابل نسبة من الأرباح، ومن ثم يستمر تخلفنا كسبب ونتيجة في آن واحد لتلك التبعية.

تقوم الدولة باستكمال بيع الأراضي المملوكة للدولة (أي للشعب في الحقيقة) للإماراتيين، وبيع الشركات الباقية من القطاع العام لمستثمرين مصريين وهنود وأتراك وخليجيين. يتآمر المسئولون عن تلك الشركات مع المستثمرين والقيادة السياسية على تشريد آلاف العمال مع حرمانهم من حقوقهم المالية المتأخرة أصلاً بغض النظر عن أحكام قضائية يصدرها القضاء الشامخ الذي لا يضم أبناء فلاحين أو عمال، ويتخلل ذلك فساد ضخم متبادل بين رؤساء مجالس الإدارات ووكلاء الوزارات ورؤساء النقابات العمالية الذين تم تجنيدهم واستمالتهم مالياً واجتماعياً وفصلهم عن طبقتهم بالتعاون مع الجهاز الأمني.

كل هذه خيارات مفهومة تماماً ومنطقية بالنسبة لطبقة حاكمة تنفذ تعليمات صندوق النقد الدولي بالحرف الواحد وتخفي مصلحتها المادية الواضحة في ذلك بالكلام عن سد عجز الموازنة، وأن تنمية الوطن اقتصادياً ما هي إلا “جذب الاستثمارات”، في هذا الإطار يتم مثلاً رفض فرض ضريبة رأسمالية أو ضريبة على مضاربات البورصة لأنه – ببساطة وكما في كل العالم – الكثير من مضاربي البورصة هم أصحاب سلطة ومناصب وأعضاء فاعلين في تلك الطبقة ذاتها، في مقابل فرض رفع الدعم عن الفقراء في البنزين والصحة والسلع الأساسية تحت زعم تخفيف العبء المالي عن الدولة.

لم يخبرنا السادة طبعاً عن أعباء مالية اخرى يمكن تخفيفها بدلاً من تعذيب أغلب الشعب، ولا عن “السر” في الابتعاد المطلق عن إنشاء قطاع منتج قوي تستثمر فيه الدولة أو حتى رأس المال المحلي ويقوم بتطوير وترقية نفسه بشكل مخطط تمهيداً للتصدير والبيع في السوق المحلي والكسب، ويقوم أيضاً بتوفير فرص عمل لآلاف من خريجي الهندسة والعلوم والتجارة ونظم العلومات والعلوم الادارية بدلاً من سحلهم في دورات التنمية البشرية ورخصة الكومبيوتر الدولية والموارد البشرية وكل هذا النصب العولمي الذي يتخذ طابعاً إسلاموياً في بعض الأحيان، ليس هذا فحسب بل أيضاً يتم بشكل منهجي تصفية كامل القطاع الانتاجي الصناعي من 1999، وهي الخطة التي بدأها عاطف عبيد ووجّهها من قبله بزمن السادات، وفي إطارها منعت الدولة على نفسها بنسبة كبيرة أن “تتدخل” في السوق، وعلى ذلك يتم التخديم استهلاكياً على الشريحة الأعلى للطبقة الوسطى مع اللعب في أذهان ووعي الشرائح الأدنى لتلك الطبقة وكذلك الطبقات الشعبية لجذبهم نحو الاستهلاك أيضاً.
“السر” هو تعليمات البيت الأبيض وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، تلك الروشتة التي تخضع لها طبقتنا الحاكمة؛ لأنها في صالحها قطعاً، ويساهم في استمراريتها إلى حد كبير ضعف الوعي السياسي والاقتصادي للشعب وجحافل الليبراليين والدولجية وإعلام رجال الأعمال المُتناسق مع إعلام الدولة بخصوص الكبسولة السحرية لحل أزمتنا الاقتصادية: جذب الاستثمارات، هذا السراب الغامض الذي نسمع عنه منذ عشرات السنوات بلا مردود اقتصادي حقيقي لصالح الناس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف