البديل
أحمد بان
من نسمات الروح فى رمضان 4
مع الحكمة الرابعة من حكم بن عطاء الله السكندرى، والتى يقول فيها ” ما طلب لك شىء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار”.

ما أحوجنا فى تلك الأيام الصعبة التى تمر بها أمتنا إلى استحضار تلك الحال،التى تكون أقرب للقبول من الله وتحقيق المراد منه تعالى،وقد ضاقت السبل وانقطع الرجاء وادلهمت الخطوب، حتى أضحت حياتنا ظلمات بعضها فوق بعض،إذا أخرج أحدنا يده لم يكد يراها،أوضاع تجعل الحليم حيران، فقدنا معها القدرة على الاندهاش، فليس بعد الكفر ذنب كما يقولون،والصواعق لاتتوقف حتى ألفناها.

وإزاء تلك الأوضاع الصعبة ليس لنا من سبيل سوى الدعاء، لكن هذا الدعاء بحاجة إلى بريد يحمله، وهو ما تفسره تلك الحكمة بالاضطرار، الحالة التى تنقطع فيها عن أسباب الكون كلها إلى المكون تعالى،تنمحى عن بصيرتك المؤثرات وآثارها والوسائط ونتائجها،وتغيب عنك مصادر الحول والقوة لترى فى مكان ذلك كله الواحد الحى القيوم،الذى إليه الخلق والأمر، وبيده الحول والقوة، وعندئذ تتجلى بصدق حقيقة افتقارك إليه من دون الكائنات كلها،فتلتصق ببابه وتترامى على أعتابه، وتسأله سؤال المستيقن بأن أماله واحتياجاته كلها بيده،فهذه الحالة هى التى تسمى الاضطرار، وصاحب هذا الحال هو المعنى بقوله تعالى ” أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء” لن تجد وسيطا لله سوى هذا الاضطرار،ولكن متى يكون الإنسان فى تلك الحال؟يظن كثير من الناس أن الإنسان يقع فى تلك الحالة عندما تشتد المصيبة عليه،بحيث ييأس من أصحاب القدرات والإمكانات وسلطان ذوى النفوذ،ويعود من اللجوء إليهم وطرق أبوابهم خائب الآمال، فعندئذ تنطبق عليه صفة الاضطرار، غير أن هذا التصور غير صحيح.

إن الإنسان فى كل أحواله مضطر منقطع عن الناس كلهم، وعن سائر الأسباب إلى رب الناس ومسبب الأسباب وهو الله عز وجل، ولكنه دائما بين حالين إما منتبه لتلك الحقيقة أو غافل عنها، فحين يكون غافلا تكون أماله موصولة بدنيا الناس وإمكانات الناس وحيلهم وقدراتهم،فيحجبه هذا الوهم عن الشعور بضعفه وعجزه،ويسعى معتمدا على تلك الأسباب ثم يصحو من غفلته عندما يطرق أبواب الناس ويبلو أخبارهم ويجرب حظه من نفسه،فلا يجد لديهم ولا من نفسه إلا العجز والافتقار الى الواحد الديان،فهذا هو شأن جل الناس يرون الاضطرار حال يمرون يها وضيق يقعون فيه عندما تطبق عليهم مصيبة ما، ثم لايجدون فى سائر الأسباب التى يخيل إليهم أنهم يملكونها أى منجاة منها.

إن الحقيقة التى يجب ان ترسخ فى نفوس المؤمنين أن الإنسان مضطر الى الله فى كل أحواله،فى العافية أو فى المصيبة قويا كان أم ضعيفا،فلا يخدع عن ذلك بالأوهام أو بالخيالات أو الأحلام فإذا كان كذلك، فإنه لن يقبل على الله بالدعاء ولا بأمل أو رجاء إلا إقبال العبد المضطر الذى يعلم أنه لايملك من أمر نفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وعندئذ يكون اضطراره وسيطا منه إلى ربه، وتكون وساطته مجدية ومثمرة،وكيف لا وهو القائل تعالى ” أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء” وهذا معنى قول ابن عطاء الله “ما طلب لك شىء مثل الاضطرار “ثم تأتى الفقرة الثانية كقانون كلى “ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار” أى لن تجد ما يسرع اليك بعطاءات الله ومواهبه،ما خطر منها ببالك أم لم يخطر مثل تذللك وافتقارك الى الله،أى مثل تحققك بهويتك وتجردك عن أوهام غناك وقوتك،إنك إن أفرغت كأس وجودك من أوهام القوة والامتلاك والأنانية والمزايا التى تتمتع بها،ملآ الله كأس وجودك بمنن ومنح لاحصر لها من القوة والغنى وسائر أسباب السعادة.

وجماع ذلك كله أنك إن أردت لنفسك سعادة الأخرة والأولى،فما عليك إلا أن تستسلم لواقع ذلك وافتقارك الذاتيين إلى الله تسترحمه بوصفه الغني العزيز، وياتى كل ذلك منسجما مع حكمة أخرى لابن عطاء الله تقول “أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لاتقم به لنفسك”.

اللهم أغننا بالافتقار اليك، واجعل بريدنا المقبول لك اضطرارا ترضاه،يا نعم المولى ونعم النصير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف