البديل
محمود دوير
إعلانات رمضان
لن نجد وسيله لرصد أوضاع المجتمع المصري الثقافية والاجتماعية وبالطبع الاقتصادية أكثر دقه من الإعلانات التلفزيونية، خاصة فى شهر رمضان. المؤكد أننا أمام مجتمع يسحق فقرائه بشكل مخيف ويتسول لهم وبهم عبر شاشات التلفزيون، وأمام دوله رخوة لا تتحمل الحد الأدنى من مسؤليتها في علاج فقرائها، وفتحت الباب أمام علاجهم بل وإطعامهم وكسائهم من خلال التسول العلني وعلى الهواء مباشرة.

وفى المقابل فإننا أمام طبقه تزداد شراهة، وتحولت ثرواتها إلى عبء عليها من زيادتها لدرجة أن شركات التصميم العقارى صارت تبتكر أساليب لعزلها اجتماعيا عن هؤلاء الفقراء – الذين يمارسون حقدا طبقيا على مدار اليوم ضدهم – ووفرت تلك الشركات أماكن بعيدة وخاصة جدا لحياة هؤلاء الأغنياء فى “كومباون ” معزول تماما عن حياة البشر العاديين.

نحن أمام مجتمع يعانى مزيد من الانقسام وربما التآكل، فالذين يعيشون فى فيلا ثلاث أدوار وكل دور به حديقة خاصة غالبا هم الذين يخرجون علينا يطالبون بالتبرع للفقراء بتوفير كساء لهم يصنع فرحتهم فى العيد، ويستهدفون جمع 2مليون قطعه ملابس.

وهم أنفسهم الذين يناشدوننا التبرع لمرضى السرطان ومرضى فيروس سى وصندوق تحيا مصر وربما صندوق البريد إن شئت – المهم تتبرع – أما هم فيلهثون للحصول على فيلا فى التجمع كما يبشرهم أحمد عز وماجد الكدوانى ليكونوا فى أمان أكثر من فرنسا.

والأمر هنا لا يمثل حاله استفزاز دائم لأكثر من 45%يعيشون تحت خط الفقر، وبعضهم يعيش بين الأموات فى المقابر أو يمثل فقط استهانة بآلام 15مليون مريض بفيروس سى يقفون فى طابور السوفالدى فى مستشفيات الدوله بحثا عن أمل ينقذهم من آلام لا تنتهي،
ولا يمثل سحقا لكرامة كل الأيتام والأرامل الذين يتشاجرون فى طوابير للحصول على كرتونة رمضان لتسد رمق أيام تعد على أصابع اليد الواحدة، ليعودوا بعد ذلك إلى العوز الذى لا ينتهى فى الوقت الذى استورد الاغنياء خلال العام الماضى وحده “2015” ما يعادل 6مليار دولار لإطعام كلاب وقطط أغنياء مصر، بل إضافةإلى هذا فإن تلك الأوضاع تمثل تعبيرا صارخا عن حالة ارتباك اجتماعي واقتصادي تهدد بالفعل استقرار أى أمة وسلامها الاجتماعى.
فنحن فى وضع يعيد إلى الذاكرة وبقوة قصيدة احمد فؤاد نجم ” احنا مين وهما مين ” والتى غناها الشيخ إمام فى نهايه السبعينيات من القرن الماضي.

ولعل الغريب فى المشهد الدعائى فى رمضان الحالى أن تستعين الدولة بكل أجهزتها الرقابية ومؤسساتها القضائية بإعلانات لمواجهة الفساد الادارى فى مؤسساتها – والله شئ مدهش جدا – فالدولة تراهن على ضمير المسؤل أو المواطن الفاسد، الذى بالقطع فقد مع أول عمليه فساد قام بهاـ ثم تطالبه بالكف عن الفساد – سبحان الله – والدولة تحولت الى الناصح الأمين بدلا من أن تكون الصارم المنفذ للقانون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف