بسيونى الحلوانى
مشهدان عبثيان.. يسيئان للدولة المصرية
يحكي أن رجلاً وجد في الغاية دبة صغيرة تصرخ جائعة وليس لها من يرعاها فأخذها بيته وأرضعها واعتني بها وأحبها وأحبته كبرت الدبة وكبر معها حبها للرجل الذي رعاها وأكرمها وفي يوم من الأيام نام الرجل وجلست الدبة تحرسه وتنظر له بحب فإذا بذبابة تحوم حوله فاغتاظت منها الدبة وقررت أن تقتلها حتي لا تعكر صفو سيدها ومربيها فحملت حجرا كبيرا لتلقي به علي الذبابة فطارت الذبابة وأفلتت من الحجر لكنه وقع علي رأس الرجل فقتله.
بالتأكيد هذه الدبة كانت مخلصة لصاحبها.. وبالتأكيد كانت تريد الدفاع عنه وحمايته.. لكنها بالتأكيد أيضاً أساءت التقدير وغابت عنها الحكمة فتحول حبها لصاحبها إلي سلوك عشوائي قاتل.
كثير من المحبين لهذا الوطن والمخلصين له والخائفين عليه ينهجون منهج هذه "الدبة" فيتحول حبهم له إلي كابوس ويدفعهم خوفهم عليه إلي التصرف دون حكمة.. وهنا تأتي النتائج علي عكس النوايا.. والسبب التسرع والعشوائية.
***
قصة الدبة التي قتلت صاحبها بتصرفها العشوائي رغم حبها الشديد له قفزت إلي ذهني خلال الأيام القليلة الماضية وأنا أتابع تداعيات مشهدين يشبهان كثيراً موقف الدبة المخلصة.. المشهد الأول يتعلق بترحيل الإعلامية اللبنانية "المستفزة" إيليان داود.. والثاني يتعلق بمواجهة غضب وثورة طلاب الثانوية العامة الذين خرجوا للاحتجاج علي إلغاء بعض امتحاناتهم وإعادتها من جديد بسبب تسريب الامتحانات.. وفي المشهدين لابد أن نعترف في شجاعة بغياب الحكمة وحسن السياسة عن معالجتهما والتعامل معهما.
في مشهد ترحيل المذيعة اللبنانية لم نكن في حاجة إلي هذه الصورة العبثية التي نقل لنا تفاصيلها موقع إخباري يزعم القائمون عليه انهم "أساتذة في الوطنية" لم نكن في حاجة إلي هذا المشهد لا لنقطع الطريق علي دعاة الفتنة ومحترفي الإساءة لمصر والمتربصين بها في الداخل والخارج وهم كثيرون.. لكن لأن مصر التي يشهد تاريخها بكل ما هو حضاري وإنساني في التعامل مع الأشقاء العرب رغم التجاوزات المنكرة لبعضهم لا تسمح برسم هذه الصورة.. حتي ولو كانت الإعلامية اللبنانية مستفزة ومعالجاتها الإعلامية كلها مغالطات وتستهدف تشويه صورة المجتمع المصري وتغيب عنها المشاعر المصرية الوطنية بحكم انها دخيلة علي مصر ومشكلاتها وأزماتها وقضاياها الوطنية.
مصر الكبيرة والعظيمة تتصرف بما يليق بها وليس بما يليق بالآخرين.. ولذلك لم نكن في حاجة إلي تجسيد هذا المشهد المسييء لمصر ومكانتها وصورتها. فكثير من السياسيين العرب خاصة الفلسطينيين علي سبيل المثال أساءوا إساءات بالغة إلي مصر وتآمروا عليها ومازلنا نستقبلهم ونتعامل معهم علي انهم ضيوفنا وبعد مغادرتهم لبلادنا من حقنا أن نكشفهم ونعدد سوءاتهم ونفضح جرائمهم ضد مصر وشعبها.
كانت إيليان داود مصدر ازعاج للمصريين الشرفاء الغيورين علي وطنهم وكانت تبحث عن السلبيات والتجاوزات والتصرفات الصغيرة لتكبرها ولم يكن لمنهجها المستفز علاقة بالمهنية الإعلامية بل بمبدع الفوضي السياسة محمد البرادعي.. ولذلك طالب كثير من المصريين بطردها من مصر وصبرت عليها مصر كثيراً وكان ينبغي أن يكتمل صبر مصر حتي "تغور" إيليان بشكل يليق بصورة مصر.
المشهد الآخر المستفز الذي أراه مسيئاً ومنافيا لما تهدف إليه دولة الحقوق والحريات هو صورة طالب الثانوية العامة الذي يهرول خائفا ومرتعدا أمام مجموعة من قوات الأمن.. وهو المشهد الذي استنسخ وغزا صفحات الفيس بوك وحقق أعلي مشاهدة وقوبل باستياء ملايين المصريين علي مواقع التواصل الاجتماعي.. فالشاب الصغير الذي يدرس بالثانوية العامة حتي ولو كان طائشا ومسيئا في سلوكه لا ينبغي التعامل معه بهذا الشكل الذي لم يعد لائقاً بمصر.. دولة المؤسسات والحريات والذي رفعت فيه الشرطة المصرية شعار "الشرطة في خدمة الشعب".
لذلك أتمني أن تكون هناك مراجعة سريعة وجادة لمن رسم المشهدين حتي لا تتكرر المشاهد المسيئة للدولة المصرية التي تحاول جاهدة تصحيح الصورة المغلوطة عنها وعن أجهزتها الأمنية التي تقدم يومياً تضحيات ضخمة من أجل هذا الوطن وتحقيق أمنه ورسم صورة حضارية تليق بكيانه وسمعته وتاريخه.
مصر التي يتسع صدرها لكل الآراء والتوجهات والتنوع السياسي والفكري وتسعي جاهدة لتصحيح الصورة المغلوطة عنها في الخارج والتي يروج لها أعداء مصر لا ينبغي أن تتصرف بعشوائية وينبغي أن تكون تصرفات كل المسئولين فيها محسوبة حتي لا نعطي الفرصة للغوغائيين لكي يمارسوا هواياتهم الحقيرة.
مصر في أمس الحاجة الآن إلي "الحكمة" لكي نفوت الفرصة علي المتربصين.. لا ينبغي أبداً أن نقدم لأعداء مصر في الداخل والخارج مشاهد جديدة يقومون بتسويقها علي هواهم ليرسموا صورة مغلوطة لحقيقة الأوضاع في مصر.