التحرير
طارق الشناوى
بصل مُسيل للضحك!!
تمكن اليابانيون من زراعة بصل مثير للضحك والقهقهة على عكس البصل «البيئة» المسيل للبكاء والدموع الذى توارثته البشرية جيلا بعد جيل.

نحن فى الحقيقة سبقنا اليابانيين فى الوصول إلى هذا المنعطف التاريخى الذى يشهد دائما انقلابا دراميا ينتقل من النقيض إلى النقيض، لأننا ومنذ مئات السنين وكما «دهنَّا الهوا دوكو» و«خرمنا التعريفة»، أطلقنا على البصل المحمّر اسم «الورد»، ومحلات الكشرى تساومك على الثمن لو طلبت واحد «ورد» زيادة، وهكذا أصبح للبصل المحمّر فى الذاكرة الشعبية رائحة تنافس الفُل والياسمين والبنفسج.

والبشر أيضا من الممكن أن تجد أنهم يحملون مذاقا آخر غير الذى أَلِفناه وتعارفنا عليه، رغم أننا كثيرا ما نستسلم للوجه الشائع من الصورة. مثلًا الفنانة القديرة أمينة رزق هى ملكة الدموع والبكاء على المسرح وأمام كاميرا السينما، ولكنها عندما تجاوزت الثمانين شاركت فؤاد المهندس وشويكار بطولة المسرحية الكوميدية «إنها حقًّا عائلة محترمة» فصارت فى لحظات قنبلة موقوتة للقهقهة فكانت قفشاتها تملأ جنبات المسرح!

من الممكن أن ترى فى نفسك أنك مسيل للدموع فتكتشف أن الناس لا تراك سوى مثير للضحك، والعكس أيضا صحيح.

عندما نزح إسماعيل ياسين من مسقط رأسه مدينة السويس إلى القاهرة كان أمامه هدف واحد وهو أن يصبح مطربا مثل أستاذه ومَثَله الأعلى محمد عبد الوهاب، وكالعادة كانت نقطة الانطلاق هى الغناء فوق سطح العمارة فى الأفراح حيث كان السطح فى نهاية الثلاثينيات هو المكان المفضل للأعراس، قبل أن تتغير الدنيا وتنتقل الأفراح من السطح إلى الشارع، كان «سُمعة» يردد من أعماق قلبه أغانيه الحزينة والناس تضحك أيضا من أعماق قلبها، يقول باكيًا رائعة عبد الوهاب «أيها الراقدون تحت التراب» والناس فى دُنيا تانية، وهو ما لاحظه زجَّال مصرى كان يكتب أيضا المونولوجات واسم الشهرة «أبو بثينة»، عندما حضر بالصدفة واحدة من سرادقات الأفراح فالتقطه ليحيله إلى مونولوجيست مصر الأول، وأطاح بزعيم المونولوج فى ذلك الزمن سيد سليمان، ثم أصبح إسماعيل ياسين هو مفجر الضحك الأول على الساحة المصرية.

تنويعة أخرى حدثت قبل هذا التاريخ بنحو عشرين عاما مع نجيب الريحانى تؤكد أن الانتقال من البصل المثير للدموع إلى البصل المثير للضحك ممكن ولا يد للبشر فيه. نجيب الريحانى كان يتمنى أن يصبح خليفة لملك التراجيديا فى المسرح مطلع القرن العشرين العملاق جورج أبيض فوجد أن الناس كلما شرع فى الأداء بل وربما قبل أن يفتح فمه بكلمة واحدة يضحكون، وغادر الريحانى مسرح جورج أبيض مطرودا ومكللا بالهزيمة ليكتشف بعدها أنه بناء على إرادة الناس صار أيقونة الضحك.

كان عادل إمام قد ذهب إلى المخرج حسين كمال ليمثل فى بداية الستينيات دورا جادا فى مسرحية «ثورة قرية» والمخرج الكبير كان قد سَكن كل الأدوار ووجد أنه من الممكن أن يضيف لمسة كوميدية إلى المسرحية واخترع له دورا صغيرا يقول فيه «معايا عسلية بمليم الوقية» ليجد أن الصالة تنقلب كلها إلى ضحك، ويُمضى عادل قرابة ستين عاما ولا يزال هو المصدر الأول لعسلية الضحك فى العالم العربى.

الناس هم الذين يملكون فى التذوق الفنى أن يحددوا مشاعرهم تضحك أم تبكى، ولكن فى تذوق المأكولات ليس لمشاعرنا أى دور، إلا أن السؤال: ماذا لو واصل العلماء التحدى بعد البصل المسيل للضحك وصارت البامية منافسة للمانجا، والملوخية تطرح الفراولة أرضًا.. هل سنصبح سعداء بهذا التغيير الجينى؟ اتركوا البصل بصلًا مثيرًا للدموع والبكاء وتذكروا أن لدموع البصل فوائد فى الغسيل الطبيعى للعين!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف