الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
هل أعمل مثل محمد التابعي
فكرت كثيراً في أن أكتفي بالخمسة وستين عاماً صحافة.. وأحترم نفسي وأحطم قلمي وأجلس علي القهوة أتفرج علي الرائح والغادي.. مادام نحن نكتب والجميع يقرأ ماعدا الحكومة وهي المفروض أننا نكتب لها من أجل الصالح العام.. نروي لها تجارب ثمانين عاماً تتضمن حلولاً لكل مشاكل البلد.. قد أكون مخطئاً.. أو حلولاً من الصعب تنفيذها الآن.. أو أفكاراً قديمة لم تعد تصلح للقرن الحالي.. أو.. أو.. ولكن أليس هناك واحد في المائة قد يكون هذا الحل القديم الذي تمت تجربته سنوات طويلة هو الحل الأمثل.. المهم أن نقرأ ونفكر ونتناقش ونصل لحل أو لا نصل.. ونعرف لماذا لم نصل.. مجرد المناقشة تفتح مواضيع أخري وأفكاراً أخري..
***
مثلاً.. مثلاً.. حينما اكتشف من كتيب أرسلته لي الوزارة منذ أسبوع عن ديون مصر.. ويتضح أن الدين الخارجي بالعملة الصعبة ليس بالكثير.. بل أقساط الديون التي ندفعها سنوياً للتريليونات الثلاثة أكبر أو يوازي هذا الدين الخارجي.. لماذا لا نسدد هذا الدين الخارجي دفعة واحدة.. ثم تصورت أن هذا سيرفع قيمة الجنيه المصري إلي قرب ما كنا عليه حينما كان الجنيه الورق أغلي من الجنيه الذهب!!
كتبت هذا وإذا بتليفون من رجل فاضل علمت أنه كان يوماً ما وزيراً للتخطيط في أكثر من وزارة.. وفهمت منه أن كلامي سليم ولكن ليس بالتفاؤل الضخم الذي يقرب من الحلم!!.. لأن الديون الداخلية أيضاً تؤثر علي الجنيه المصري أو علي الأصح علي سمعة الجنيه المصري.. الاقتصاد حكاية معقدة.. والاقتصاد سمعة.. مثل الزواج.. الفتاة سمعة.. حينما كانت مصر سيدة العالم في القمح والقطن وباقي المنتجات الزراعية والسياحة لا حد لها وديون مصر لدي الدول الأوروبية كثيرة "الأرصدة الاسترلينية" كان الجنيه له قيمة كبري.. ولكن هذا يمنع من أن فكرة تسديد كل ديوننا الخارجية لا تخلو من فوائد كثيرة.
***
وكان سؤالي للرجل الفاضل..
لماذا لا نسدد ديوننا المحلية بالطريقة التي اشترينا بها قصر البارون مثلاً.. أو نسدد ديوننا لبعض الشركات بالتنازل عن بعض الضرائب أو إعفائها سنوات من الجمارك.. مثلاً؟!!
قلت له: كل شيء ممكن.. ولكن في ظل وزارة من نوع جديد غير هذه الوزارات خلال الستين سنة الماضية.
الرجل الفاضل ينهي الحديث خاصة أنه كان أحد الوزراء في هذه الفترة.. وانسحابه من المناقشة شيء طبيعي ولكن شكراً له.
***
قيل يوماً أن عبدالناصر فكر في بيع توت عنخ آمون لتعود مصر إلي أقوي اقتصاد مصري بعد نكسة ..1967 ثم عدل عن الفكرة.. لماذا لا نبيع نحن قصر البارون الذي لم يكن ملكنا أصلاً.. ودفعنا دم قلبنا فيه شراء وإصلاحاً مرتين.. ثمن القصر أكبر من ميزانيتين.. لماذا لا نبيعه في مزاد عالمي له صدي في جميع أنحاء العالم ونسدد ديوننا ونصبح أصحاب أقوي اقتصاد في أفريقيا والشرق الأوسط.. وزارة الآثار عملت إعلاناً ضخماً في "الأهرام" لتلقي خير طرق استغلال القصر والمكافأة 15000 جنيه!! لم تتلق الوزارة ولا طريقة واحدة معقولة.. أو غير معقولة!!
***
حكاية جانبية
محمد التابعي صاحب مجلة آخر ساعة ظل سنوات يكتب ويفكر وينصح ويقترح.. ثم زهق مثلي.. فكتب في آخر عدد له من آخر ساعة:
لقد ضاع قلمي.. من يجده يعطيه لمصطفي أو علي أمين.
اتضح أنه باع لهما المجلة وابتعد عن الصحافة.. ولكنه عاد بعد سنوات ليكتب الصفحة الأخيرة في عدد "أخبار اليوم" كل يوم سبت.. الصحفي الحقيقي مثل الفنان لا يترك عمله إلا للشديد القوي.. الموت أو السجن!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف