المساء
السيد العزاوى
أهل الإيمان
في رحاب أهل الإيمان تشرق الأنوار بصورة تؤكد ان العقيدة الراسخة حينما تستقر بالقلوب تدفع أصحابها إلي التضحية بكل غال من أجل رفعة الإسلام والمسلمين في رجاء وتطلع إلي رضا رب العباد سبحانه وتعالي. الكلمات تتضاءل عند الحديث عن هؤلاء الأبطال الذين هداهم الله إلي الصراط المستقيم في صدارة هؤلاء المؤمنين امرأة طاهرة قوية انها بحق يصدق في جانبها المثل القائل "امرأة بألف رجل" هذه السيدة الفاضلة هي الخنساء بنت عمرو بن الشريد وينتهي نسبها إلي امرئ القيس بن بهتة بن سليم وتلقب هذه السيدة "بالسلمية" شاعرة ولم تكن هناك امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها وهي ذات قدم ثابت في كل شئون حياتها وعندما أشرق نور الإسلام في قلبها كانت النموذج والقدوة في الشجاعة وقوة البأس والتغلب علي كل تقلبات الحياة وآلامها ومتاعبها وقد تجلي ذلك بالأفعال التي تطابقت مع الأقوال تاريخ هذه السيدة حافل بالأمجاد والبطولات النادرة مشاعرها جياشة نحو الأهل وذوي القربي وقد ذاع صيتها بين بني قومها ويكفي ان الشاعر الكبير دريد بن الهمة قال في شأنها
حيوا تماضر واربعوا صحبي
وقفوا فإن وقوفكم حسبي
هذه السيدة الشاعرة حين قدمت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم مع قومها وأسلمت مع هؤلاء وحين استقر نور الإيمان في قلبها وخالطت سماحته ووسطيته دمها وامتلك وجدانها حدث تحول في حياتها أبهر الجميع فهذه الخنساء كانت تحث عينيها علي البكاء علي أخيها صخر لأنه كان قريباً إلي قلبها ولأنه كان حليما جودا محبوبا في عشيرته وحين طعنه أبو نور الأسدي أصابه الضعف والألم فظل بجوار أخته نحو سنة ثم وافته المنية وهنا أكثرت أخته الخنساء شعراً في رثائه ومن ذلك علي سبيل المثال
أعينين جودا ولا تجمدا.. ألا تبكيان لصخر الندي
ألا تبكيان الجوادا الجميل... ألا تبكيان الفتي السيدا
طويل العماد عظيم الرماد.. ساد عشيرته أمردا
إلي غير ذلك من ألوان الشعر ولذلك نالت الخنساء تقدير أهل العلم بالشعر مؤكدين انها أشعر بنات جنسها ولم تضارعها أي امرأة في هذا المجال. لكن الإسلام حين استقر في قلبها مضت في حياتها قوية عفيفة وقد أسعدتها الظروف فشهدت معركة القادسية مع خصوم الإسلام في عهد أمير المؤمنين ابي حفض عمر وكان معها في المعركة أبناؤها الأربعة فأخذت تحثهم علي القتال في سبيل الله ومما قالته تشجيعاً لهم يا بني انكم أسلمتم وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله غيره انكم لبنوا رجل واحد كما انكم بنو امرأة واحدة فأخذت أباكم فيكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا ان الدار الباقية خير من الدار الفانية ومضت تقول إذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فاغدوا إلي قتال عدوكم.
استقرت هذه الكلمات الحماسية المغلفة بنور الإيمان في قلوب الأبناء الأربعة وشاءت الأقدار أن يستشهد هؤلاء الأبناء في هذه المعارك بعد أن أبلوا بلاء حسنا رحمهم الله جميعاً فلما بلغها نبأ استشهادهم فماذا قالت؟ قالت بصبر المؤمنة: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. أرأيتم كيف كان هذا التحول في حياة الخنساء بعد الدخول في الإسلام وأين هذه الكلمات الطيبة من رثاء أخيها صخر. هكذا نور الإيمان يغزو القلوب ويسيطر علي المشاعر وقد كانت الخنساء محل تقدير ورعاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يعطي الخنساء نصيب أبنائها الأربعة لكل واحد منهم مائتا درهم وظل ذلك حتي قبض رضي الله عنه تلك نسمات أهل الإيمان نسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف