السيد العزاوى
الكلم الطيب .. سلوكيات المسلم وآثار الصيام
من النتائج الطيبة للصيام ان المسلم أدرك أن الصفاء الروحي والجسدي وقوة الإرادة هي الطريق للمضي في حياته متغلبا علي شهواته وهواجس النفس البشرية. كما أن التأمل في حكمة مشروعية هذه الفريضة يزيده قناعة والرضا بما قسمه الله له. والتجرد من كل النوازع والأغراض والامتثال لأمر الله والأخلاص بكل ما تعنيه هذه الكلمة مدركا في ذات الوقت أن الأمر ليس امتناعا عن الطعام والشراب فقط وإنما هناك أبعاد أخري مترتبة علي أداء هذه الشعيرة التي أراد الله بها تهذيب نفس المسلم والتعود علي أسلوب خاص طوال فترة الصيام بالإضافة إلي السيطرة علي ميوله وشطحاته وإدراكه بأن هذا الأسلوب قد انعكس علي سلوكياته. فأصبحت أوقاته منظمة وبرامج حياته تمضي للأفضل الأمر الذي يجب أن يدركه كل صائم أن الفوائد التي تعود عليه كثيرة ومتعددة ومن أهمها مراقبة الإنسان لنفسه وسلوكياته ولعله يدرك أن مسيرته اليومية يجب أن تمضي في مسيرته العملية سواء في العمل أو في تعاملاته مع الآخرين.
ولا شك أن الحكمة الجليلة في هذا الصيام تجعل المسلم الصائم يدرك أن قيامه بأداء الفريضة إنما هو درجات وذلك من خلال محاسبته لنفسه. فالإنسان ذو الضمير الحي اليقظ يستطيع أن يميز بين تصرفه في أي يوم من أيام شهر الصيام. وبالتالي يدرك الفرق ويستطيع تجاوز الخطأ من خلال المحاسبة الدائمة لسلوكياته وتلك هي الحكمة من الصيام ولذلك فإن هناك درجات يدركها الإنسان الفطن وتتطابق مع ما ذكره العلماء في بحوثهم عن أسرار هذا الصيام. هذه الدرجات ثلاث هي: صوم العوام وتتلخص في الامتناع عن الطعام والشراب بينما باقي شهوات والرغبات فكلها تمضي في طريقها وهناك صوم الخصوص وهو ما أشرت إليه في مراقبة الإنسان لنفسه من حفظ للسان والعين والأذن والتعامل بأفضل الأساليب في العمل والتعامل مع الآخرين في البيت والشارع. وهناك درجات أعلي وهي صوم خصوص الخصوص وهي التجرد من كل الشهوات والسيطرة علي هوي النفس وميولاتها المتعددة. والصائم الحق يدرك كل ذلك من خلال معايشته لنفسه مع الصيام ويستطيع التفرقة بين كل ذلك إذا امتلك قوة الإرادة والسيطرة علي نفسه وإدراك الخطأ وكيفية تجاوزه وذلك مما نبه إليه رب العالمين ولفت أنظار أهل الإسلام إليه ويتمثل في قول الله تعالي: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون" 135 آل عمران.
حقيقة لقد أفاض العلماء والمفكرون وأهل الرأي في الحديث عن حكمة الصيام وآثاره الطيبة التي تنعكس علي المسلم الصائم في حياته وبعد مماته وكلها اجتهادات وآراء تأخذ بيد الصائم نحو الطريق الأقوم في حياته ولكنني من خلال إلقاء المسئولية علي الصائم نفسه لكي يكون رقيبا علي تصرفاته وتحركاته اليومية خاصة ان الله منحه صفة ونورا يستطيع بهما إجراء عمليا لمسيرته يوما بيوم وعدم ترك أي تجاوز أو خطأ ولو هفوة كما نقول بلغتنا الدارجة وهذه المراقبة ليست عسيرة وإنما الاهمال وعدم اليقظة لهذه الحقيقة يجعل المرء لا يستطيع تذوق طعم هذه الشعيرة ومدي تأثيرها علي حياته في كل شئونه لأن السلسلة متصلة ودائما المسلم في حالة مراقبة دائمة لنفسه. فهل الصائم بعد الثلاثين يوما استطاع تحديد مكانه في الدرجات التي ذكرتها وأشار إليها العلماء علي مدي التاريخ. اعتقد أن الصفاء الروحي والجسدي الذي عاشه الصائم يعلمه رب العالمين فهو الذي يعلم مكنون الصدور وما تنطوي عليه من أسرار وخفايا ولذلك جاء الحديث القدسي منبها إلي تلك الحقائق "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وبقدر الاخلاص والمراقبة الدائمة يكون الجزاء وربنا الغفور ذو الرحمة.
ان سلوكيات المسلم الصائم بإخلاص يجب أن تظل ملازمة له علي مدي الأيام المتعاقبة ولا تقتصر علي أيام الصيام المعدودة فالحكمة متعددة ومتشعبة الأغراض والفوائد والأمنيات تحدونا في أن عفو الله ورحمته وتجاوزه عن اخطائنا ونلجأ إليه سبحانه قائلين: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.." والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.