المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. نتنياهو في منابع النيل
علي المستوي الاستراتيجي تشكل جولة الإرهابي بنيامين نتنياهو في دول حوض النيل تهديدا حقيقيا ومباشرا لأمننا القومي.. مصريا وعربيا.. وذلك بالنظر إلي المكاسب التي أنجزها للدولة الصهيونية والخسائر التي لحقت وسوف تلحق بنا.. لكن الكارثة أن لا أحد يبدو مهتما.. رغم صراخنا الطويل تنبيها إلي الأصابع الإسرائيلية التي تعبث في افريقيا "عموما" ومنطقة حوض النيل علي وجه الخصوص - كلنا مشغولون بمواجهة الإرهاب واطفاء الحرائق التي شبت في ديارنا.
لست مبالغا إذا اعتبرت أن جولة نتنياهو الحالية في فنائنا الخلفي وما ظهر من نتائجها حتي الآن هي النكسة الثالثة في تاريخنا الحديث والمعاصر.. إذ النكسة الأولي في 1967 كانت هزيمة ساحقة واحتلال لسيناء وغزة والضفة الغربية.. والنكسة الثانية كانت بناء سد النهضة الأثيوبي الذي يهدد بقاءنا كشعب ودولة ويمثل استهانة بشوكتنا في دول حوض النيل لأول مرة في التاريخ وفرض واقع جديد علي الأرض.. وها هي النكسة الثالثة تتجسد في تسلل إسرائيل جهارا نهارا إلي دول الحوض وتشكيل تحالف استراتيجي لتطويقنا من الجنوب والسماح لإسرائيل بأن تدخل افريقيا من أوسع أبوابها كما قال نتنياهو.. وتمسك بأوراق خطيرة وخيوط قوية في لعبة الشد والجذب والتأثير الاقليمي وتمدد النفوذ.
لقد وقعت إسرائيل معنا اتفاقية سلام.. لكن هذه الاتفاقية لا يمكن أن تحول العدو إلي صديق وتجعلنا نأمن جانبها.. ستظل إسرائيل هي العدو الأول والأخطر استراتيجيا علي مصر وكل الدول العربية منفردة ومجتمعة.. هي عدو متغطرس غادر.. يخدعنا بمعسول الكلام عن السلام ولا يعمل إلا من أجل الحرب.. ولما كانت افريقيا مغلقة في وجهه.. وكانت كل دولها تقاطعه وتقف إلي جانب الحق الفلسطيني والعربي كانت كل أمانيه أن ينفذ إلي دولة أو دولتين لاحداث ثغرة يخترق منها هذا الجدار الافريقي الصلب الممنوع عليه.
الآن.. صار في امكان نتنياهو أن يقوم بجولة في أربع من دول حوض النيل هي الأولي من نوعها منذ 30 عاما.. وأن يستدعي 7 رؤساء دول أفارقة ليشاركهم في لقاء قمة بأوغندا.. بالضبط مثلما يفعل أوباما مع دول الخليج أو دول أمريكا الوسطي.. وهي إشارة علي قوة النفوذ الإسرائيلي في هذه الدول.. ثم يلقي خطابا أمام البرلمان الاثيوبي.. ويعلن بكل بجاحة أن هناك مشروعا لانضمام إسرائيل إلي منظمة الاتحاد الافريقي بصفة "مراقب"... وهو ما يفتح صفحة جديدة لعلاقات طبيعية ومصالح متبادلة مع جميع دول افريقيا "54 دولة" بما يضمن أصوات هذه الدول مع إسرائيل في المحافل الدولية.
من حق إسرائيل أن تفاخر بهذا النصر الاستراتيجي الذي حققته في افريقيا.. ومن واجبنا أن ندرك أنه لولا التفكك العربي والتخبط في الرؤي ما وصلت الأمور إلي ما وصلت إليه.. وعلينا أن نصارح أنفسنا بأن نجاح إسرائيل في تسويق المقاومة الفلسطينية علي أنها إرهاب يتساوي مع الإرهاب الذي تعاني منه الدول الافريقية.. وبالتالي الدخول في شراكة بين الجانبين لمكافحة الإرهاب هو أكبر علامة علي فشل الاستراتيجية العربية في أفريقيا كما فشلت في مناطق أخري كثيرة من العالم.
ويحذر المراقبون من أن جولة نتنياهو - بعيدا عن الشعارات الرنانة - استهدفت في المقام الأول مناقشة قضايا المياه وسد النهضة وسبل تأمينه وإنشاء بنك للمياه في الشرق الأوسط حتي لا تذهب مياه النيل من دول المنبع إلي دول المصب بلا مقابل.. وكذلك مشروعات زراعية وري وتصدير كهرباء.. الأمر الذي يعني أن منطقة حوض النيل سوف تتغير تماما بالنسبة لتعاملها معنا بعد جولة نتنياهو.
ومعروف للكافة أن إسرائيل بصفة عامة لها خط مناهض للمصالح والحقوق المصرية في مياه النيل.. واستراتيجيتها واضحة في هذا الاطار.. فهي تتبع سياسة شد الأطراف.. بمعني الضغط علي الدول المحيطة بمصر والسودان لشد انتباه الدولتين لمناطق أخري غير فلسطين.
أفريقيا التي كانت في يوم ما شريكا في النضال ضد إسرائيل تتغير الآن بسرعة لتقف إلي جانب إسرائيل.. يبيع زعماؤها تاريخ بلادهم من أجل الحصول علي ضمانات إسرائيلية بحمايتهم من غضبة شعوبهم وتدريب وتسليح حراسهم.. بينما نقف نحن نتفرج.. نفتح أفواهنا من الدهشة.. لكن لا نفعل شيئا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف