س: هل كان لدينا خيار آخر غير التحالف مع المؤسسة العسكرية ومعسكر الدولة القديمة لإزاحة الإخوان في 30 يونيو؟
ج: بالطبع لا.
س: هل كنا سنتمكن من إزاحة مبارك في 2011 دون انضمام الإخوان إلينا وانحياز الجيش لمطلبنا؟
ج: أشك.
س: بعد أكثر من 5 سنوات، لماذا نقف بين الخيارات التقليدية، المؤسسة العسكرية والإخوان والفلول؟
ج: لأننا لم نقدم البديل.
س: هل نتحمل – نحن الشباب الذين شاركوا في الثورة – جزءا من مسؤولية اختطاف الإخوان لنتائج يناير، وركوب السيسي لـ 30 يونيو؟
ج: ربما نتحمل المسؤولية الأكبر.
بعد انتهاء أحد المؤتمرات عن العدالة الانتقالية، جلسنا على مقهى بوسط القاهرة نتحدث عن فرص ترشح المشير عبدالفتاح السيسي للرئاسة، وتطرقنا للإخوان و30 يونيو، فعبر المحامي الحقوقي نجاد البرعي، الذي يخضع حاليا للتحقيق بتهمة السعي لقلب نظام الحكم باستخدام “علم اللاعنف وثورة العقول”، عن مرارة في حلقه من أن القوى المدنية لا تمثل رقما حقيقيا في المعادلة السياسية، وأنها عندما أرادت خلع مبارك استعانت بالإخوان، وعندما أرادت خلع مرسي استعانت بالجيش.
لم تكن رؤيته جديدة عليَ، ومع تداعيات 30 يونيو، واعتلاء الجنرال للسلطة، وسط هيستريا التخوين والإرهاب والقتل، تأكدت أننا لسنا رقما ضعيفا فقط، وإنما “صفر على الشمال”، وضعفنا في التنظيم وتكوين تشكيلات سياسية تنتقل بالثورة من مرحلة التظاهر في الشارع إلى العمل السياسي، كان السبب الأكبر في اختطاف 25 يناير و30 يونيو.
تفصيل أسباب الفشل يتطلب منّا أن ندرس بحيادية كيف انتقل الشباب من أيقونة للتغيير في 2011، حتى أن غالبية المواطنين كانوا يمدحوننا بعد رحيل مبارك ويعلقون علينا آمالا كبيرة، إلى مجرد مصدر للإزعاج، كل يوم نتظاهر ونشتبك ويسقط منا ضحايا، بين قتيل ومصاب وسجين.
الإصرار على أن سبب فشلنا لم يكن بيدنا، وإنما كان بفعل تحالف الإخوان والمؤسسة العسكرية والنخبة التقليدية وعناصر النظام القديم، محض “استهبال” لا يصل بنا إلى تقييم حقيقي للتجربة.
الوصول إلى مانيفستو جديد لنقل الثورة إلى مربع العمل السياسي، يستوجب الاعتراف بأننا أخطأنا كثيرا، وأكبر اخطائنا الإصرار على التظاهر دون النزول إلى الشارع لاستقطاب الناس وتجميعهم حول مطالبنا، التي هي مطالب الثورة وكانت تحظى بتأييد واسع من الجميع، فضلا عن إصرارنا على أننا تعرضنا للإفشال لا الفشل الذاتي الداخلي، ولا أفهم كيف كنا نتوسم خيرا في المؤسسة العسكرية والإخوان والنخبة التقليدية والنظام القديم؟ كيف نطلب من أعداء الديمقراطية أن يتركونا نعمل بحرية؟ نعم كنا ساذجين سياسيا وثوريا.
من بين التجارب التي تؤكد أننا فشلنا في تنظيم أنفسنا، تجربة حزب “العدل”، الذي أسسه مجموعة من الشباب المحسوبين على الثورة، خلال شهور قليلة بعد يناير 2011، أي في وقت قياسي وفق حسابات العمل السياسي وتكوين الأحزاب، وأتذكر أنني والصديق محمد بصل، الصحفي بجريدة “الشروق”، كنا نقلب صفحات الصحف لقراءة إعلان تأسيس الحزب، ونتفحص أسماء الـ 5 آلاف مؤسس، ونتحدث عن هذا الإنجاز بانبهار، وتوسمنا في الحزب الوليد خيرا، لكن أين “العدل” الآن؟ وأين كان أصلا في أول عامين له 2011 و2012؟
في الحقيقة لا أذكر للحزب أنه تبنى قضية معينة، وحتى القضية الأهم “تنظيم صفوف الثورة” لم يتصدّ لها منذ تأسيسه.
وبعد “العدل”، أسس الدكتور محمد البرادعي حزب “الدستور”، وتوسمنا فيه خيرا أيضا، لكن هل نجح في لم شمل أبناء الثورة؟ النتيجة واضحة، فشل بالطبع، لكن لماذا فشل في ذلك؟
علينا أن نسأل أنفسنا ونجيب بصدق، لماذا أدار الشارع ظهره لنا بعد حالة احتفاء بالغة في 2011 و2012 واختار الإخوان؟ ثم أدار لنا وللإخوان ظهره وألقى بثقله خلف المؤسسة العسكرية والفلول؟
التعلل بأننا كنا حديثي عهد بالسياسة كلام فارغ، فقد كان بيننا من شبوا على ممارسة العمل السياسي، ألم يكن بيننا شباب لهم سنوات فى العمل السياسي؟ ألم يكن بيننا أبناء اليسار بخبرة امتدت لسنوات من الاحتكاك بالعمال وقضايا الفقراء؟ كان غالبية أعضاء ائتلاف شباب الثورة قد تمرسوا على العمل السياسي طويلا في أحزاب وحركات عدة منذ السنوات الأولى للعقد الأول من الألفية.
ليس لدي تفصيل واضح لأسباب فشلنا في تشكيل تنظيمات سياسية تخدم مطالبنا ومصالحنا، ولا أريد إلقاء الاتهامات، لكنني أدعوكم لطرح الأسئلة، والاعتراف بأن أداءنا بعد الثورة كان أكبر سبب للفشل.
س: الآن، هل لدينا فرصة أخرى للعودة إلى الشارع؟
ج: بالتأكيد نعم، لكن لا لنتصدر الصفوف الأمامية كما تطلعنا وسعينا من قبل، وإنما كداعمين ومساندين للأجيال الجديدة، الشباب الذين كانوا أطفالا في المرحلة الإعدادية والابتدائية خلال مرحلة المد في 2011، وهم الآن في المرحلة الثانوية والجامعة، ويبهروننا حاليا بقدرتهم على التمرد ورفض محاولات الدولة لقتل مستقبلهم، وعلينا ألا نخذلهم أو نخذل المستقبل.