البديل
طارق سعيد أحمد
ذبابة على وجه الوطن
“تيران وصنافير” كلمة السر لنقطة التحول السياسي الذي سوف يرتب فلسفة المعارضة في الشارع المصري، ويؤسس لمرحلة قادمة خصوصا بعد تفتيت مفهوم الحُكم المطلق على صخرة سيادة الشعب، الذي مثله منطوق حكم محكمة القضاء الإداري، وجرت على لسان المستشار يحيى راغب الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محاكم القضاء الإداري حيثيات رفعت السكين قبل اقتطاع قطعتين أصيلتين من جسد مصر، وتقديمهم على طبق من ذهب مقابل مساعدات الرياض للقاهرة.

وعلى عكس ما كان يردده رأس النظام ويكرره في كل المناسبات بأن مصر دولة مؤسسات، وتعمل منفصلة ومتصلة لمصلحة المواطن، اتجهت الحكومة مندفعة بكامل طاقتها لتحقق غاية القرار الخشن الذي اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي في اليوم الأخير من زيارة الملك سلمان للقاهرة، لتنفيذ وعده للملك بالتنازل عن الجزيرتين صنافير وتيران.

لكن قوى المعارضه تعاملت مع الموقف بحجم عِند النظام وإصراره، ولأنها غير ممنهجة ولا تتبع استراتيجية محددة كان تأثيرها على أرض الواقع يزداد كثافة وتفاعلا نشطا بداية من تنظيم تظاهرة “جمعة الأرض” التي سبقتها حملة اعتقالات واسعة بوسط القاهرة، وامتداد الملاحقات الأمنية للمتظاهرين السلميين 25 في أبريل المنصرم، والتي انتهت بحبس الكثير من الشباب المعارض والرافض لتلك الاتفاقية، ولكن على ذمة قضايا أخرى ليس لها أي علاقة بموقفهم السياسي، بل سجنوا بتهم معلبة وجاهزة لمن حاول التعبير عن رأيه، وصولا إلى أزمة نقابة الصحفيين المفتعلة، وحتى رفع دعاوي قضائية ضد الاتفاقية وتقديم الوثائق والمستندات والخرائط لهيئة المحكمة.

في وقت كانت ترفع فيه الأعلام السعودية بشوارع وميادين مصر في أجواء احتفالية سخيفة “الظاهرة الأولى من نوعها” على خلفية ما كان يؤكده أنصار القرار، وإثبات بشتى الطرق والوسائل سعودية الجزيرتين، واتهام المعارضة في وسائل الإعلام بالعمالة أوالخيانة وضمهم لقائمة أهل الشر.

جاء صمود معارضين قرار “السيسي” بوضع قدم كتلة وطنية على أرض المعادلة السياسية، وحدد أهدافها، ونموها في المستقبل القريب خطوة في اتجاه ديمقراطية تليق بشعب قام بثورتين مجيدتين ليحقق وجوده الذي يتجلى من أزمة إلى أخرى، وكأن المصريين اعتادوا التعامل مع الأزمات الكبرى على أنها ذبابة على وجه الوطن لا يقبل وجودها أحد للحظة.

فإصابة النظام بالجفاف السياسي وافتقاره للحيل البديلة الشرعية في التعامل مع مثل هذة المواقف القادرة على إثارة الرأي العام وغضبه وتقسيمه دفعته لعدم تقبل حكم القضاء، ووضع نقطة والبدء من أول السطر، بدلا من خسارة جديدة تضاف ضمن سلسلة من الخسائر أمام معارضيه خصوصا أنه غالبا ما يستعرض قوته في تفكيك المعارضه؛ لامتلاكه القوة التنفيذية وإعلام يقرع الطبول له بعد، وقبل أي قرار أو خطوة أو فكرة تدور في البال والخيال.

بمرور الوقت إرتفع على مهل الغطاء من فوق اتفاقية تعيين أو ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وكلما ارتفع سنتيمتر واحد نكتشف أن القرار ليس هدفا في حد ذاته.

وباتت “حدوته” ترسيم الحدود بين الدولتين وما شاع حوله وروج من قبل النظام أنه قرار واجب لإعطاء الحق لأصاحبه “ملتوته” ولا تصلح أن يسمعها طفل قبل النوم، خصوصا بعد ترتيب الأحداث والمشاهد زمنيا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف