كنت أظن وبعض الظن ليس إثماً علي اعتبار أن الله سبحانه وتعالي قال "إن بعض الظن إثم" فإذن بعض الظن ليس إثماً.. كنت أظن أن عبارة "ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا" التي قالها الخديو توفيق للزعيم أحمد عرابي قد انتهت من حياتنا للأبد بعد مرور حوالي 135 عاماً علي الواقعة الشهيرة عندما وقف عرابي أمام الخديو في قصر عابدين ليعرض عليه مطالب الشعب.
لقد حدثت عدة أمور ومشاهد في الفترة الأخيرة وأقربها خلال الشهر الكريم جعلتني استشعر أن البعض يتصرف مع أفراد من الشعب المصري بطريقة الخديو توفيق.. ما أنتم إلا عبيد احساناتنا.
مثلاً مشهد يتم فيه توزيع اللحوم والمعونات علي المحتاجين والفقراء فإذا بسيدة تستغيث بأنها مسنة وتريد استبدال قطعة اللحم الممنوحة لها لأن كلها "دهن" فيرد عليها من يقوم بالتوزيع بقوله "احمدوا ربنا إننا بنأكلكم".
مشهد آخر حادث مأساوي علي أحد الطرق السريعة نتج عنه دمار بسيارتين إحداهما سيارة ميكروباص تعول أسرة فقيرة والسيارة بالقسط فيتم تغريم مالكها خمسة آلاف جنيه تحت بند "اتلاف" "بلدورة" قيمتها لا تتجاوز 250 جنيهاً وعند الشكوي تكون الإجابة "احمدوا ربنا اننا بنعمل لكم طرق".
مواطنون يستغيثون من ارتفاع فواتير الكهرباء بشكل جنوني فتكون الإجابة "احمدوا ربنا أن الكهرباء لا تنقطع مثل زمان.. إحنا بنوفر لكم كهرباء".
مواطنون يستغيثون من انقطاع المياه فيخرج مسئول يقول "الانقطاع لن يدوم سوي يومين أو ثلاثة أو عشرة.. احمدوا ربنا".
الناس تستغيث من ارتفاع الأسعار فتكون الإجابة "احمدوا ربنا".
محافظون ووزراء لا تسمع منهم إلا عبارة احمدوا ربنا.. ماذا نفعل لكم أكثر من ذلك.
لا أعلم لماذا شعرت بأن طريقة المسئول في التعامل مع الناس بطريقة احمدوا ربنا اننا بنأكلكم واحمدوا ربنا أننا نعمل لكم طرق وكباري واحمدوا ربنا أن أنتم عايشين.. تشبه إلي حد كبير طريقة ومعني كلام الخديو توفيق "وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا".
عفواً لكل مسئول أقول كما قال أحمد عرابي في رده علي الخديو توفيق "لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً".. لا أحد صاحب فضل علي هذا الشعب سوي الله سبحانه وتعالي.. الكل يتقاضي أجره ومرتبه ومكافآته وبدلاته من عرق هذا الشعب.. لا أحد يمن عليه.. مهمة الحكومة أي حكومة في العالم أن تعمل علي تحقيق مطالب شعبها هذه هي وظيفتها.. أما إذا كانت غير قادرة فعليها الرحيل.. لا أحد ينفق علي هذا الشعب من جيبه الخاص.
حمي الله مصر وحفظها من كل سوء.