المستشار عبد العاطى الشافعى
لوجه الله .. والوطن الســــــــلام.. في شــــــــــريعة الإســـــــــــلام
ولقد جعل الإسلام الإنسان المسلم معايشاً للسلام في كل أوقاته.. وجعل السلام مواكباً للمسلم في عباداته ومعاملاته فصلاته يتخللها السلام.. وتنهي وتختم بالسلام.. والمسلم حين يلقي غيره يقرئه السلام ثم يتلقي الرد علي السلام بالسلام.. ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه جعل إفشاء السلام مبعث الحب ومناط الإيمان وتأشيرة الدخول إلي الجنة فقال: "لن تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا.. ولن تؤمنوا حتي تحابوا. ألا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم.. افشوا السلام بينكم".. ولم يكن السلام قبس النور في الدنيا فحسب.. بل إنه كذلك أسمي الأقوال.. وبه ومعه خير المآل.. في عالم الخلود والطهر والجمال.. ذلك أن الجنة جزاء ومستقر المؤمنين العاملين هي دار السلام "لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون" "الأنعام: 127" وتحية أهل الجنة في الجنة السلام "دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام" "يونس: 10" "وتحيتهم فيها سلام" "إبراهيم 23" والمؤمنون حين يبلغون الدرجات العلي وينعم عليهم رب العزة والجلال ويرضي عنهم وإلي نوره الأجل الأسني يقربهم وعليهم يمن بشرف اللقاء "تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً" "الأحزاب: 44".
ولكم هو السلام مع الله الذي يمثل لب الإسلام وأساسه وليس أروع في إبراز هذا المعني السامي وإعلاء قدر هذا المضمون الرفيع.. من أن السلام اسم من أسماء الله الحسني والله عز وجل هو السلام "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام" "الحشر 23" وهذا يعني علي سبيل القطع واليقين أن السلام ليس غاية للمؤمن فحسب.. بل إن السلام هو الحق تبارك وتعالي معبود المسلم.
وإذا كان ذلك هو سلام المؤمن مع ربه. فإنه يستتبع سلام المؤمن مع نفسه.. وسلام المؤمن هو أن يصل إلي مرتبة الرضا والأمن والطمأنينة.. وأن النفس المطمئنة هي التي خبت لظي الحرب بين جوانبها وتوارت نار الحقد من بين جوانحها. وتعايشت لديه متآلفة غير مختلفة من بين جوانحها. وتعايشت لديه مؤتلفة غير مختلفة عواطفها وغرائزها وملكات عقلها.. فلا تتغلب إحدي نزعاته الثلاث علي سواها.. فيحيا زكي النفس سوي المسلك طاهر الروح والوجدان.. وبذلك يصل إلي مرحلة السلام الداخلي سلام النفس.. النفس المطمئنة التي ناداها رب العزة والجلال مبشراً إياها بخير المآل "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" "الفجر: 127".
وإذا ما افتقد الإنسان هذا المعني فقد أعلنت نفسه الحرب علي نفسه وافتقد السلام الداخلي الذي هو غاية من أعز غايات الإسلام.
ثم يأتي بعد ذلك سلام الإنسان مع غيره ذلك أن الإسلام قد أقام بنيان المجتمع علي عدد من القواعد الهامة.. أولاها أن بني آدم جميعاً مكرمون من خالقهم وأنهم أمامه سواسية لأفضل لأحدهم علي الآخر إلا بالتقوي وصالح العمل "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فليس هناك عنصر متفوق متميز وآخر ذليل مستعبد ولكل حقه وقيمته وكرامته فلا مجال إذن للتنازع بين البشر بسبب المفاضلة بينهم بطريق جائر لا عدل فيه. وثاني القواعد التي أقام عليها الإسلام بناء المجتمع هي العدالة فقد جعل الله الحكم بالعدل في كل ما ينشب بين الناس واجباً علي المسلم فلا يكون حكم المسلم علي الأمور بالحب والكره وإنما بالقسط والعدل.