محمد جبريل
مسلسلات رمضان ونظرية التكويش!
أولي المشكلات التي طالعتنا في مسلسلات رمضان هذا العام إصرار المؤلفين علي التكويش فبعد أن كانت مدة حلقات المسلسل اسبوعا واحدا امتدت إلي اسبوعين ثم استغرقت الشهر بأكمله واستولت ـ أحيانا ـ علي أيام العيد.
باعث هذه الظاهرة هو الكسب الذي يدره تأليف القصة والسيناريو والحوار ولأن المواهب ـ إلا نادرا ـ ليست مطلقة فقد يكتفي المبدع بالفكرة أو النص الأدبي يعده كاتب سيناريو متخصص ويكتب الحوار مبدع يمتلك موهبة فن الحوار.
يتجاهل مؤلف التليفزيون ما يطلبه التخصص ويقدم العمل من ألفه إلي يائه مسترشداً بآليات السينما المصرية التي حددها العبقري صلاح أبو سيف في محاضرة له بمعهد السيناريو بأماكن محددة لا تجاوزها ثمة المحبان في معاناتهما رفض الأهل ومكائد العوازل وثمة الراقصة والملهي الذي ينسي فيه البطل أحزانه وقاعة المحكمة لزوم العقاب علي جريمة ما والمواقف الميلودرامية التي تعلو فيها الاستغاثات والصراخات!
الكومباوند تسمية تطلق علي التجمعات السكانية الجديدة ينفرد ملاكها بحياة خاصة وعلاقات تتسم بالسطحية "صباح الخير يا جاري. انت في حالك وأنا في حالي" وجد مؤلفو التليفزيون فيها مجالا جديدا للدراما تتحرك الشخصيات بما يعكس المشكلات التي أرجو أن تكون طارئة علي مجتمعنا جرائم قتل وشرطة ونيابة وحراسة خاصة وأطباء نفسيين وتتشابك الأحداث لتصل إلي نهاية تفرضها نهاية الحلقات الثلاثين وهو ما دفع المؤلفين ـ بعد أن زاد تشابك الخيوط وتعقيدها ـ إلي طريقة يوسف بك وهبي في مسرح رمسيس بجعل الموت إيذاناً بالنهاية.
عدا أفراح القبة المأخوذة عن رواية لنجيب محفوظ ـ حققت بالمناسبة نجاحا لافتا ـ فإن المسلسلات لم تجاوز ـ في الحقيقة ـ ما ألفته الدراما المصرية في توصيف صلاح أبو سيف وإن حاول بعض المؤلفين مدارة غياب النص الذي يتمحور حوله المسلسل. أعادوا صياغة مسرحية للألماني جوتة ومسلسل بوليسي اسباني ومحاكاة ساذجة لدراما الخيال العلمي في الغرب وأعمال أخري تغيب فيها قضايا البيئة فهي لا تهدف إلا إلي ابتزاز التشويق والامتاع بصرف النظر عن الجرائم التي تمثل ـ إن حدثت ـ هامشاً يصعب التوقف أمامه.
لعل السبب الأهم في الصور التي طالعتنا بها مسلسلات هذا العام هو سيطرة شركات الإعلان وقت الدراما ثلاث دقائق ليحتل الإعلان سبع دقائق وهكذا حتي تنتهي الحلقة.
فالحلقات الدرامية وسيلة لاستكمال المسلسل الإعلاني وليس العكس وهو ما يبين في اقتصار الإعلانات داخل كل مسلسل ولا موضع لها بين مسلسل وآخر!
من حق القنوات الفضائية وشركات الإعلان أن تستهدف الربح. لكن اجتذاب عقل المتلقي واقتناعه قيمة مهمة قد تدفع الكثيرين إلي استبدال القناة!