حسن المستكاوى
بسطاء كالحمام حكماء كالحيات!
أخذ لاعبو البرتغال يغنون ويهتفون وهم يحتفلون بطولتهم الكبرى الأولى فى تاريخ بلادهم: «كنا بسطاء كالحمام.. وحكماء كالحيات».. وقد كانوا بالفعل خلال سبع مباريات خاضوها بسطاء للغاية، بساطتهم تضاهى وداعة الحمام فلم يحقق الفريق الفوز فى الوقت الأصلى سوى فى مباراة واحدة.. وحين سجل إيدر هدف النصر فى نهاية المباراة والوقت الإضافى، كان هدفه مثل لدغة حية، ظلت تنتظر وتتربص بصبر ضحيتها حتى لدغتها.. وتلك حكمة الحية (هم يرونها حكمة، وأراها خسة لخوفى الشديد من الثعابين؟!)..
**
سدد إيدر «أو بخ» إيدر باعتباره حية، بخ قذيفته، من مسافة 26.7 ياردة بالضبط، وبسرعة 97.17 كم فى الساعة. وقطعت الكرة المسافة من قدمه إلى المرمى الفرنسى فى 9. ثانية.. ومثل تلك القياسات غائبة عن ملاعبنا طبعا، وغائبة عن صناعة كرة القدم المصرية كلها وبكل أطرافها..
**
ملايين تعاطفوا مع رونالدو، وهو يبكى ألما لإصابته، وهو يبكى لمغادرته، ثم وهو يبكى فرحا.. وقد تعاطفت معه، وتمنيت فوز البرتغال بالكأس من أجله، وكانت دراما إصابة رونالدو وخروجه من المباراة من أسباب تحول المنتخب البرتغالى إلى فريق من المقاتلين. نعم ففى كرة القدم تتساوى الروح القتالية مع فنون اللعبة وتكتيكاتها وخططها ومهارات لاعبيها.. فخرجت منتخبات رفيعة المستوى مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا، وأخيرا فرنسا. بينما تأهلت منتخبات من نوعية أيسلندا وويلز بشجاعة المحاربين، وتشجيع المشجعين..
**
«مسحوقون».. كان عنوان جريدة الإيكيب الفرنسية بعد خسارة فرنسا المباراة النهائية.. لكن صحف أخرى قدمت الشكر للاعبين، فلم ترجمهم بالخيانة، ولم تصف هزيمتهم على ملعبهم بالفضيحة.. وظل العلم الفرنسى يرفرف فى مدرجات ستاد دو فرانس، وقالت صحف فرنسية أن الشعب عاد يعانق ألوان منتخب بلاده كما يعانق العلم.. إنها كرة القدم التى تفعل فى الشعوب المتقدمة، والنائمة، ماتفعله من إيقاظ للكبرياء والكرامة!
**
فى البطولة والمباراة النهائية مشاهد رائعة من فيلم الاحترام.. ومنها وقوف الرئيس الفرنسى هولاند تحية لرونالدو، وهو يغادر الملعب باكيا ومصابا. ووقوف كل الجماهير فى فرنسا وفى العاصمة البرتغالية لشبونة تحية لرونالدو، وهو يغادر.. وكان ذلك احتراما للبطل والبطولة والرياضة.. وعلى الرغم من فظاعة الخسارة وحاجة الفرنسيين للفوز فى وسط أجواء الاكتئاب بسبب الإرهاب، صفق الجمهور للمنتخب واحترم بكاء اللاعبين وشجعهم لأنهم أدوا واجبهم، فى فهم يقظ لطبيعة كرة القدم والمنافسة، ولو وجهى اللعبة الانتصار والانكسار.. وربما وقعت مناوشات هنا وهناك بين برتغاليين وفرنسيين، لكن المظهر العام كان احتفالا صارخا للبرتغاليين، ورحابة صدر من الفرنسيين لحفلة البرتغال، التى كانوا يتوقعون أن تكون هى حفلتهم.. أين نحن من هذا الجمال؟!