كنت ومازلت مع رفع الدعم بشكل تدريجي على مدار خمس سنوات أو أكثر، على أن يشمل جميع السلع والخدمات المقدمة من قبل الحكومة، فمن غير المنطقي أن تظل تدعم الدولة المواصلات، والكهرباء، والغاز، والمياه، والوقود، ورغيف الخبز، وغيرها من السلع، خاصة فى ظل الزيادة السكانية السنوية، وفى ظل الارتفاع العالمي لأسعار بعض أو أغلب هذه السلع.
وموافقتنا على رفع الدعم لا تعنى أبدا أن تقوم الحكومة بالقضاء على الطبقة الوسطى أو تشريد وتجويع أغلبية الشعب المصري، أو أنها توجه ضربة قاضية لأصحاب المعاشات. الذي يتابع خطط الحكومة الخاصة برفع الدعم، يكتشف أنها وقعت فى خطأين على قدر كبير من الخطورة، الأول: إنها خططت لرفع نسبة من الدعم في أكثر من سلعة في وقت واحد، الكهرباء، والغاز، والمواصلات، ومياه الشرب، والأدوية، ويقال إن النسبة المستهدفة في السلعة الواحدة تتراوح بين 25 و30%، وهو ما يعنى ببساطة أن المواطن سوف يستيقظ فى نهاية الشهر على أكثر من فاتورة لن يقدر على تسديدها، حيث ستصل نسبة الزيادة نحو 150%، أضف إلى ذلك الزيادة التي ستلحق على السلع المرتبطة بأسعار المرافق.
الخطأ الثاني الذي وقعت فيه الحكومة في مخطط رفع نسبة من الدعم على السلع الخدمية: إن الحكومة لم تقم بجدولة مرتبات العاملين في الدولة بما يتناسب والنسبة المستقطعة من الدعم، والحكومة تعلم جيدا أن المرتبات لا تكفى المواطن لكي يعيش حياة آدمية، وأن أغلب المواطنين يحرمون أولادهم من احتياجات أساسية، وأن بعضهم عندما يمرض يموت لعدم امتلاكه المال اللازم لكى يستشير الطبيب ويشترى العلاج.
وتعلم الحكومة كذلك أن المشكلة ليست في مرتبات العاملين بالحكومة فقط بل إن المشكلة الحقيقية في مرتبات العاملين فى القطاع الخاص، حيث إن الدراسات تشير إلى تدنى نسبة الأجور فى القطاع الخاص عن الحكومة، وأن القطاع الخاص لا يلتزم بالقوانين، ومعظم رجال الأعمال لا يعملون بالزيادة السنوية التى تقرها الحكومة من علاوات، وهو ما يعنى تجميد الرواتب وتدنيها، ونظن أن حجم هذه العمالة يصل تعدادها نحو 22 مليونا أو أكثر.
أضف لهذه الشريحة نسبة المتقاعدين، وتقدر أعدادهم بحوالي 9 ملايين مواطن بأولادهم، تتراوح معاشاتهم بين 500 و1200 جنيه فى الشهر، هذا بخلاف الملايين التي تعيش على معاش الضمان الاجتماعى.
بحسبة بسيطة يمكن أن نقول إن دخول أغلبية المصريين لا تكفيهم لكي يعيشوا حياة آدمية، والتفكير في رفع نسبة من دعم بعض السلع في وقت واحد سوف يفجر هذه الشرائح، من أين تسدد هذه الفواتير؟.
فى ظني أن الحكومة مطالبة بأن تعيد النظر مرة أخرى في خطط ترشيد الدعم، إما بزيادة السنوات المستهدفة من خمس سنوات إلى عشر سنوات، أو أنها تقوم سنويا برفع نسبة من الدعم عن سلعة واحدة فقط.