الأهرام
عبد المنعم سعيد
سبعة آلاف عام
ربما يكون خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم الثلاثين من يونيو فى دار الأوبرا واحدا من أهم خطبه الذى جاء
كما هى العادة تلقائيا، ولكن الجزء المهم منه جاء على لسان مصر وما تطلبه من أبنائها. كلمات الرئيس كان فيها صراحة مباشرة أن الأحوال ليست على ما يرام وأنه لا يجوز أن يترك أبناء مصر وطنهم يحتاج الآخرين، ولا يتبوأ المكانة التى يستحقها بين الأمم كبلد عاش سبعة آلاف عام من الحضارة. ما يحتاجه الوطن من أبنائه مكانة ورفعة وعزة ليس الآن فقط ولكن لسبعة آلاف عام قادمة. هكذا قال الرئيس على لسان مصر التى يتحدث الرئيس المنتخب باسمها إلى مصريين فى يوم يعتبر يوما للخلاص من حكم كاد يأخذ الدولة كلها إلى حافة هاوية مروعة.

السؤال الملح هو إذا كان ذلك كذلك فلماذا حدث ما حدث؟ المؤكد أن السبعة آلاف عام لم تكن خيرا كلها، وبدءا من القرن السادس قبل الميلاد فإن مصر صارت هدفا للغزاة بدءا من الغزو الفارسى مرتين وحتى جاء الغزو الهيلينى اليونانى بلغة اليوم وتلاه الروماني. ورغم أن «الفتح» الإسلامى يعتبره غالبية المصريين فتحا وليس غزوا، فإن الواقع أن أحدا من المصريين لم يحكم مصر إبان الدول العربية والإسلامية المتتابعة من الخلافة الأموية وحتى الخلافة العثمانية. والأخطر أن الجيش المصرى الذى خاض آخر معاركه فى ١٨٦ قبل الميلاد، فإن المصريين حرموا من قواتهم المسلحة حتى جاء محمد على وبعث الجيش الوطنى المصرى مرة أخرى لكى يقيم مصر الحديثة التى نعرفها اليوم. واحتاج الأمر قرنا من الزمان حتى تقوم المملكة المصرية، ومن بعدها الجمهورية حتى نصل ألى عهد الثورات الحالى منذ يناير ٢٠١١.

تاريخنا إذن بقدر ما كان فيه ما يدعونا إلى الفخر فإنه كان محملا بكثير من الألم؛ وأيا كان ما كان فإن واجب المصريين الحالى هو ماذا سوف يفعلون الآن وفى المستقبل إنطلاقا من هذا الحمل الثقيل الذى بدأ قبل سبعة آلاف عام. المؤكد أنه لم يعد هناك وقت يضيع؛ والمؤكد أكثر أن الحمل هو على القيادة بقدر ما هو قائم على الشعب المصرى بكافة أحزابه وتوجهاته السياسية وطبقاته الاجتماعية. ولعل الخطوة الأولى على طريق السبعة آلاف عام القادمة ألا نخسر خسائر مجانية فخلال السنوات الخمس الماضية خسرنا الكثير داخليا أو خارجيا دون ثمن نكسبه ونضيفة رغم حاجتنا الماسة إلى الإضافة وليس الخصم من رصيدنا. المثال الأخير على ذلك كان الطريقة التى جرى بها استبعاد المذيعة ليليان دواود التى أضرت بسمعة مصر فى عالم نحتاج فيه إلى استثماراته والسمعة الطيبة فى طريقة إدارتنا للأمور، والتى أحيانا ما تؤدى إلى خسارة أصدقاء أما الأعداء فإنهم قصة أخري. علينا أن نتساءل وبصراحة لماذا وقف البرلمان الإيطالى ذلك الموقف منا فى موضوع قطع غيار الطائرات وهو يمثل دولة صديقة؟ ولماذا أعادت موسكو السائحون الروس إلى تركيا بعد إسقاط طائرة روسية من قبل تركيا، بينما لا تزال تتمنع وتفرض الشروط فيما يتعلق بمصر؛ ولماذا استقبلت أفريقيا إسرائيل استقبال الفاتحين وبهذا القدر من الترحاب، بينما لا تزال إثيوبيا رغم كل إشارات الصداقة تتصرف بطريقة الخصوم أكثر من طريقة الأشقاء؟

الخطوة الثانية هى الاستثمار بكل الطرق، من الداخل والخارج، ومن الحكومة والقطاع الخاص، وفى البر والبحر، وفى استخراج المعادن وإقامة الصناعات، وفى الزراعة والصناعة والخدمات. المشروعات القومية الكبرى على أهميتها، وما أيقظته من صناعات وشركات، إلا أنها وحدها لا تكفى فضلا عن أنها لا تجعلنا نخترق حاجز الزمن، ببساطة فإننا نحتاج تعبئة كافة الطاقات الوطنية ليس من أجل التبرع وإنما من أجل العمل، وقبل العمل التنظيم، وقبل التنظيم الاستثمار. وليس معقولا ألا يوجد إلا طريق واحد للاستثمار من خلال القوات المسلحة وإلا فإن النصيب هو الوقوع فى براثن بيروقراطية عفنة؛ وليس معقولا أكثر أن نظل نتحدث عن «الشباك الواحد» لسنوات دون حل لمعضلات الاستثمار التى إما أنها لم تسمح للشباك بالوجود، أو أنها أغلقته ولا تريد فتحه. وبصراحة فإن الأمر يحتاج قرارات رئاسية مباشرة، ولعل هذه القرارات سوف تسجل الفارق بين الاستثمارات فى قبل وبعد رئاسة الرئيس للمجلس الأعلى للاستثمار.

الخطوة الثالثة، وكل الخطوات بالمناسبة متكاملة، أن تقوم المؤسسات المصرية كلا منها بما يحدده الدستور لوظائفها. البداية يحددها الدستور فى الفصل بين السلطات والتوازن فيما بينها فالسلطة التنفيذية تقود وتنفذ، والسلطة التشريعية تشرع، والسلطة القضائية تحكم بالقانون ولكنها لا تشرع ولا تطبق ولا تقود. المجتمع المدنى بروابطه وأحزابة واتحاداته له هو الآخر وظائفه كمؤسسات وسيطة، وجماعات ترفع الحاجة عن المصريين، وهى المنوط بها، وليس السلطة التنفيذية، الاعتماد على التبرعات والعمل التطوعي. وببساطة فإن الأمم التى تسعى إلى السير على طريق الألف ميل، أو السبعة آلاف عام، فإنها لا تفعل ذلك إلا عندما يقوم كل فرد وجماعة ومؤسسة بالوظيفة المقدر لها. تقسيم العمل كما نعلم هو أساس فكرة التقدم كلها، ولكن ذلك ربما يكون موضوع حديث آخر!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف