يظن المدعو شاومينج أنه اخترع العجلة، أو أتي بما لم يأت به الأوائل، لأنه قام بتغشيش طلبة الثانوية العامة، والحقيقة أنه رجل ساذج، فالمصريون هم أساتذة الغش في العالم، وهم قادرون علي أن يعلموه ويعلموا أجداده الغش علي أصوله، وإذا لم يكن يصدق فلينظر حوله ليعرف أنه مجرد فسل بين العمالقة.
سأفترض ياسيد شاومينج أنك لاتري ماحولك، وسأسألك : ماذا تسمي مستشار وزير الصحة الذي ضبطوه يتقاضي الرشوة بالملايين ؟ أليس هذا غشاً ؟ ماذا تسمي الرجال الذين ضحكوا علي الحكومة في موضوع القمح ووضعوا الملايين في جيوبهم ؟ أليس هذا غشاً ؟ ماذا تسمي موظفي الدولة الذين يذهبون لأعمالهم ليوقعوا بالحضور ثم يزوغون ؟ أليس هذا غشاً ؟ ماذا تسمي المدرسين الذين يذهبون للمدارس ولايشرحون للطلبة، ثم يقومون بإعطائهم دروساً خصوصية مقابل مبالغ باهظة ؟ ماذا تسمي مهندسي الإسكان الذين يسكتون علي مخالفات المباني ويحولون مصر إلي عشوائية كبيرة مقابل الرشاوي ؟ إن حياتنا كلها غش في غش ياسيد شاومينج، بل إننا حصلنا علي شهادات دولية تثبت أننا لانباري في الغش، وإذا كنت لاتصدق فلتنظر لترتيب مصر في قائمة الدول الأكثر فساداً.
وإذا كنت تريد أن تتعلم الغش علي أصوله فلتنظر كيف تعاملنا مع قضية غش الثانوية العامة. قبضنا علي رجل يعمل في المطبعة السرية، وعلي زوجته، وقلنا إنهما المسئولان عن الغش، وطبقنا عليهما نظرية مصرية عبقرية في التغطية علي الفساد، اسمها نظرية عامل المزلقان. هل تعرف ماهي نظرية عامل المزلقان ؟ سأعلمك وأجري علي الله، إنها باختصار نظرية تقول : إذا حدثت في السكك الحديدية حادثة مريعة، ومات المئات بطريقة فظيعة، فلنترك كل المسئولين الكبار والحقيقيين ولنحمل المسئولية لعامل المزلقان، وليبق كل شئ علي ماهو عليه. في ضوء هذه النظرية يمكنك أن تفهم كيف غطينا علي الفساد في قضية غش الثانوية العامة، إنك لن تجد مخلوقاً واحداً تحدث عن وجود تنظيم لغش الثانوية العامة في مصر ؟ تنظيم يضم رجالاً كباراً في وزارة التربية والتعليم، ومديرياتها، وفي أجهزة الأمن، كما يضم جانباً تجارياً مهماً، يقوم باستيراد وترويج الوسائل الألكترونية المتقدمة اللازمة للغش، من سماعات، وكاميرات، وغيرها.
لاتظن ياسيد شاومينج أننا أغبياء لدرجة أننا لانستطيع التخمين بوجود هذا التنظيم، فنحن من أذكي الشعوب، وأنت ومساعدوك قدمتم أدلة واضحة علي وجود تنظيمكم، وتغلغله داخل الوزارة، أو الوزارات، لكننا تصنعنا الغباء، أتظن أننا لم نفهم معني نشر الإجابة النموذجية لبعض الامتحانات وعليها الختم الرسمي ؟ أتظن أننا لانعرف قدرة أجهزة الأمن علي الوصول إليك لو شاءت للحفاظ علي هيبة الدولة ؟ لكننا نعرف أيضاً أنهم لن يوقعوا بك، لأنك جزء من المنظومة العامة للفساد. إن بوسعنا لو شئنا القضاء علي الغش أن نغلق النت وقت الامتحانات، لكننا لم نفعل، ولن نفعل، لم ؟ لأننا نريد استمرار الغش. وكي نتيح لما يحدث غطاءً قانونياً سنقول إن الدستور لايسمح بهذا، طبعاً أنت تعرف أن هذا غير حقيقي، وأننا أساتذة في مجال تطويع الدستور لما نريد، ولو شئنا لفسرنا نصوصه بما يسمح لنا بوقف النت، لكننا لم نفعل لأن الوضع الحالي يخدم مصالح ناس كبار لا يمكن المساس بها.
نحن نعلم أن تنظيم الغش قوي ومتشعب، ولديه الشجاعة لكي يتحدي رئيس الجمهورية الذي قال إنه لن يحدث غش بعد الآن، فإذا بالتنظيم يسرب الامتحان التالي بعد نصف ساعة من بدء اللجان. نحن نفهم معني تصريحات المسؤولين بأننا سنواجه الغش بإلغاء مكتب التنسيق، وتغيير نظام الثانوية. نفهم معني الصمت عنك، لكن رغم هذا لا تغتر، أو تشعر بأنك اخترعت العجلة، فنحن أساتذة الغش رغم أنفك وأنت مجرد فسل.