الجمهورية
على هاشم
أخطاء لم تتعلم منها الحكومة..!
هل استفادت الحكومة الحالية من أخطاء سابقاتها أم تجاهلتها فوقعت في أشر منها.. هل ترصد بدقة وعناية وموضوعية ما يجري علي أرض الواقع من حولها. ومدي رضا المواطن عن أدائها..وما يتفاعل في صدور الناس. ويجد بعضه طريقًا إلي مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت وخصوصًا الفيس بوك الذي يرصد ردود أفعال تلك الفئة القادرة علي استخدام التكنولوجيا وتوظيفها للتنفيس عن نفسها أو بث ما تريد إشاعته في المجتمع.. وأغلبه انطباعي متعجل لكنه من الجدة والأهمية بحيث لا يمكن تجاهله أو التهوين من شأنه.
الواقع يقول إن ثمة فجوة لا تزال قائمة بين الحكومة والشعب. وأن الأولي يعوزها اليقظة والاستنفار والمتابعة الدءوبة المبنية علي العلم والعصف الذهني لزرع حالة يقين مجتمعي بالنجاح. وقبلها زرع الأمل والتفاؤل في أجواء يحاول البعض تصويرها بضبابية تصل إلي حد السوداوية والتشاؤم من المستقبل اعتمادًا علي معطيات. بعضها للأسف صحيح..وكثير منها مبالغ فيه.
المواطن لا يجد حيلة في التعايش مع تقلبات الأسعار وجنونها قياسًا لما يجري في العالم كله الذي يشهد انخفاضًا ملموسًا في أسعار تلك السلع» مدفوعًا بانخفاض أسعار النفط وتراجع نمو الاقتصاد العالمي.. هذا المواطن البسيط لا يزال هو المتحمل للنصيب الأوفر من فاتورة أي إصلاح تقدم عليه الحكومة أو حتي تفكر فيه» فهو المتضرر الأكبر من رفع الأسعار أو خفض الدعم.. بينما الأغنياء يحصدون أكبر المغانم.ولا ينالهم من تكلفة الإصلاح نصيب عادل يكافئ ما أخذوه أو ما كسبوه من دماء الوطن والغلابة خلال السنوات الأخيرة.. الأمر الذي يعني أن العدالة الاجتماعية لا تزال تبحث عن وسيلة لإنقاذ الفقراء من براثن الغلاء وجشع التجار وتوحش الاحتكار وغياب أي دور حمائي فعال للحكومة أو أي من مؤسسات حماية المستهلك أو حتي حقوق الإنسان التي انشغلت فقط بالجانب السياسي من القضية.
المواطن البسيط لم يجن حتي هذه اللحظة ثمرات التنمية المستدامة.ولم تنجح أي من الحكومات المتعاقبة في تخفيف الأعباء عن كاهله. ولا حتي عاملته بصورة أكثر إنسانية أو آدمية.. بل تركته لقمة سائغة ل¢مافيات¢ عديدة ـ إن صح التعبير..فمن مافيا احتكار السلع الأساسية. كاللحوم والأرز. إلي مافيا توريد القمح التي خلطت المحلي بالمستورد طمعًا وجشعًا لنهب المليارات المرصودة لدعم القمح المحلي والفلاح.. إلي مافيا الاستيراد التي ترفع الأسعار بعشوائية مفرطة.. إلي مافيا الغش والنصب.. الأمر الذي يجعل هذا المواطن يتساءل: هل تخلت عنه الحكومة ورفعت يدها وتقاعست عن حماية الفئات الأولي بالرعاية.. أم أن الدولة لن تتركه صيدًا سهلاً لرأسمالية جشعة لا تراعي الله في الوطن ولا المواطن..؟!
لا ينكر أحد أننا أقل دول الربيع العربي تضررًا من عواصف هذا الربيع. ونحن أقلها تأثرًا بالأزمات المالية العالمية المتتالية.. فلا الدولة سرحت العمالة. ولا استغنت عن موظفيها كما فعلت دول أخري متضررة مثلها.. ولا سمحت بتمدد حالة الانفلاب والذعر التي اجتاحت المنطقة في أعقاب يناير 2011..كل هذا إيجابي ومقدر لكنه لا يمنعننا من الحذر والتعاطي بجدية أكثر مع أزمات خطيرة كالبطالة وارتفاع الدولار أمام الجنيه والديون المتراكمة منذ سنوات. فكل من هذه المعضلات بمثابة قنبلة موقوتة تتحين الفرصة لتنفجر في وجه الجميع. فالبطالة أزمة كل بيت. وإهدار لجهود وموارد الدولة وأموال جري إنفاقها علي تعليم شباب تخرج ولا يجد عملاً فأصبح عالة علي ذويه وخصمًا من رصيد الثروة البشرية المعطلة رافعة أي نهضة أو تقدم.. وارتفاع الدولار يهدد بانكماش القدرة الشرائية لأغلب المواطنين وما يمثله ذلك من صعوبات في تحقيق الإشباع الاقتصادي وتعويق فرص الحياة وتعريض السلم الاجتماعي للخطر. ولا تخفي خطورة الديون علي الأجيال القادمة التي ستتحمل وحدها فاتورة الفوائد الباهظة. وسداد أصل الدين في ظروف لا يعلمها إلا الله.. وما لم تسارع الحكومة لإيجاد حلول سريعة وعملية فسوف تسوء الأوضاع أكثر فأكثر حتي تخرج عن السيطرة. ويصبح ما كان ممكنا اليوم أكثر صعوبة غدا. وربما مستحيلاً بعد غد.
مصر بحاجة إلي إصلاح حقيقي لاقتصادها المثقل بأعباء لم يعد يجدي معها إجراءات تقليدية بل يتحتم علي الحكومة اتخاذ إجراءات فعالة للإنقاذ وإلا فإن الأوضاع سوف تصيرأكثر تعقيدًا.. الأمر يتطلب سرعة بث رسائل الأمل وتوفير بيئة شفافة وأكثر جذبًا للاستثمار. وتحقيق طفرة في الصادرات. وفتح المصانع المغلقة. وتنشيط السياحة. وترشيد الإنفاق ومواجهة التلاعب بالدولار وبالأسواق.. ومد مظلة الدعم الحقيقي للفئات المستحقة له..!!
ما نحن فيه اليوم لا يكفيه جهود الحكومة وحدها أيًا ما تكن قوتها أو قدرتها علي العلاج.. الأمر أكبر بكثير من أي حكومة.. ما نحن فيه يحتاج لجهود الجميع.. هذا هو وقت الأحزاب والمجتمع المدني الرشيد والمفكرين والعلماء والنخبة لإعادة التوازن للشارع وتوضيح حقائق غابت. وإزاحة الستار عن مناطق الغموض والضبابية. ودحض الشائعات والبلبلة. ودفع مفاسد غسيل العقول الذي يمارسه بعض بني جلدتنا بلا رادع من ضمير أو دين أو قانون» انقيادًا وراء أجندات هنا أوهناك.. والسؤال الأهم: هل الأحزاب مهيأة لممارسة دورها الواجب في تلك المرحلة أم أنها في حاجة لتجديد شبابها بعد أن صارت قياداتها وجوها محروقة فاقدة للتأثير والجاذبية. وأكلتها الصراعات والخلافات وانفض من حولها الناس فتحولت إلي أحزاب كرتونية مجرد جريدة ومقر في أحسن الأحوال.. أما النخبة وبعض رجالات الإعلام والصحافة فلم ينجحوا في الإفلات من مصير قادة الأحزاب.. فصار تأثيرهم شاحبًا بعدما انسحبت عنهم الأضواء.. وأضحي بينهم منافقون متطرفون في النفاق أو معارضون متطرفون في المعارضة. ولم تكن مصلحة الوطن هي الحاكمة لهؤلاء ولا أولئك.. وكلا الفريقين عبءى علي المجتمع. إن لم يكن خطرًا عليه.. أما رجال الأعمال والأثرياء فلا يزالون يراوحون مكانهم. ويبخلون علي الوطن بما آتاهم الله من خيره وفضله. حتي أن بعضهم حقق أرباحًا خيالية لم يكن ليحلم بها لا هنا ولا خارج هنا. وجاوزت تلك الأرباح أقصي المعدلات حتي وصلت دون مبالغة إلي 300%.. وهذا لا يحدث حتي في بلاد الواق الواق.
والسؤال هنا للحكومة ووزرائها.. ماذا يمنعكم من تحقيق العدالة في توزيع الأعباء والمغارم بنفس نسب المكاسب والمغانم.. لماذا تصرون علي تضارب التصريحات التي تزيد المشهد إرباكًا وضبابية.. ماذا فعلتم لأخذ حق الدولة والمجتمع من الفاسدين الضالعين مثلاً في أزمة توريد القمح أو تسريب امتحانات الثانوية العامة.. والسؤال لأعضاء البرلمان ماذا أنتم فاعلون مع وزيري التموين والتعليم لمع تكرار مثل هذه المهازل مستقبلاً..؟!
لماذا تصر الحكومة علي اتباع نفس النظام الاقتصادي المشوه» فلا هو بالرأسمالية الرشيدة. ولا هو بالاشتراكية الحميدة.. لا هو حمي الفقراء. ولا هو أخذ حق المجتمع من الأغنياء. ولا حافظ علي الأسعار حتي انفلتت. وصارت خطرًا حقيقيًا لا يقل خطورة وتدميرًا عن الإرهاب.
إن أعتي الدول الرأسمالية لا تترك السوق نهبًا للقطاع الخاص. يتحكم فيه كيف يشاء بلا رقيب ولا حسيب.. هناك في كل الأحوال سقف محدد لهامش الربح غير مسموح بتجاوزه خلافًا لما يجري عندنا من انفلات واحتكار وغش وارتفاع جنوني في الأسعار.. فمتي يتوقف هذا الفساد الاقتصادي الكبير؟!
هل تكفي تصريحات الحكومة أو حتي توجيهات الرئيس لها بمراعاة محدودي الدخل والفقراء.. هل يفلت المحتكرون والغشاشون بجرائمهم دون حساب.. لماذا لا تصدر تشريعات تضبط حركة السوق من المنبع حتي لا يترك المطحونون والطبقة الوسطي فريسة لهذه العشوائية فيصلوا إلي مرحلة الانفجار..؟!
متي يتحمل الجميع نصيبه العادل من فاتورة الإصلاح..متي تتحقق العدالة في توزيع الأعباء.. متي نتحول لحكومة إلكترونية تتعاظم معها الشفافية. ويتلاشي فيها الفساد. وتنجز مصالح الناس بأقل وقت وجهد ممكن.
متي نعتمد علي الكفاءات المؤهلة للنجاح. ونتجنب الكسالي وأعداء التطور.. متي تبادر الحكومة لمعرفة مردود قراراتها علي المجتمع. وإعلان ذلك للرأي العام بشفافية.. أين ما قدمه البرلمان لإلزام الحكومة بمراجعة سياستها وتصويب أخطائها.. ماذا فعل لتفعيل الحد الأقصي للأجور الذي اتسعت رقعة الاستثناءات فيه لدرجة تهدد بتفريغ المبدأ من مضمونة..فكيف يحصل بعض العاملين في الحكومة علي الملايين بينما يتقاضي نظراؤهم في جهات أخري الملاليم.. هل تأكدت الحكومة من تطبيق قرارها بإلزام جميع المستشفيات بعلاج مصابي الحوادث. وحالات الطوارئ مجانًا في الثماني والأربعين ساعة الأولي أم أن القرار مازال حبرًا علي ورق.. هل يشعر المواطن بوجود الحكومة في حياته.. هل تحسنت الخدمات. واختفت أكوام القمامة. وعولجت الحفر والمطبات في الشوارع. وخف زحام المرور. وتيسرت سبل الحياة أم لا تزال معاناة البسطاء علي حالها؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف