* لفت نظري ما قاله اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للإحصاء أمام اجتماع لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان. محذرا من انفجار قنبلة "السكان" بعد أن بلغت معدلات الزيادة نحو4.3% حيث تستقبل مصر مولودا جديدا كل 17 ثانية ومليوني نسمة في كل عام.. المشكلة ليست في المعدل الرهيب للزيادة بل في نوعيتها المتدنية من حيث المقومات التعليمية والاقتصادية والتي تقود لمزيد من تدني مقومات التنمية البشرية التي تحتل مصر المرتبة 110 في مؤشرها لعام 2014 بين 187 دولة.
ما قاله الجندي حقيقي ومخيف. وليس وليد اللحظة لكنه تراكم سنين. وقد سمعنا الرئيس الأسبق مبارك يحذر كثيرا من خطورة القنبلة السكانية دون أن يفعل شيئا لتجنيب مصر ويلاتها.. ويحضرني ما قاله المفكر الراحل د. محمد السيد السعيد بمعرض الكتاب 2005 في مواجهة مبارك: إن موضوع السكان محسوم علميا وفق نظرية "الانتقال السكاني" التي تعالج اشكالية الزيادة بإحداث التقدم والتنمية. وإعادة التوازن بين الموارد والسكان. ولم يكتف سعيد بذلك بل طالب الرئيس بتعديل جوهري لتحقيق تنمية حقيقية وديمقراطية تفتح قنوات المشاركة علي جميع المستويات.. الأمر الذي أغضب الرئيس واستفزه!
ورحل سعيد عن دنيانا بأفكاره المستنيرة.. وغادر مبارك سدة الحكم بسياساته.. وتفاقم الانفجار السكاني أكثر فأكثر. ذلك أن الحكومات المتعاقبة تعاملت معه من منظور واحد هو أن الزيادة عبء عليها التخلص منها. ولم ترها منحة أو مغنما لو أحسن توظيفه وإدارته ولم تبادر إلي إعادة توزيع السكان ورفع كفاءة خصائصهم المتدنية تعليميا واقتصاديا.. ولو أنها حرصت علي بناء الانسان معرفيا ومهاريا حرصها علي البناء له لتغيرت خريطة مصر.. فالزيادة السكانية بلا موارد تكفيها وتضمن لها حياة آمنة كارثة تهدد الأجيال القادمة ورغم ذلك فلا تزال الفرصة سانحة إذا أعادت الحكومة صياغة أولوياتها. وجعلت همها الأكبر هو تشجيع الاستثمار في البشر والنهوض بالصحة والتعليم والتدريب الجيد لتأهيلهم لسوق العمل.. وصولا لتصدير رأس المال البشري خصوصا إلي الدول التي تعاني "شيخوخة سكانية".
إعادة تأهيل البشر بالعلم لابد أن توازي اطعام هؤلاء البشر وكسوتهم.. إعادة بناء الشخصية المصرية بالأخلاق معادل موضوعي لاعادة بناء الدولة هنا فقط يمكننا استعادة النضرة إلي وجوه كساها المرض وأنهكها الفقر وضيعتها الآمية.. فالخريطة السكانية تقول لنا إن مصر دولة شابة. فثمة 56 مليون نسمة في سن العمل. تليهم الفئة العمرية من 15 - 24 عاما بنحو 17.8 مليون ثم الفئة الأقل من 15 عاما بنحو 21.3% من السكان.. فهل مازلنا نبحث عن الكنز وهو بين أيدينا. ثروة بشرية هائلة تقدمت بتنميتها دول كبري كاليابان وكوريا والصين والهند.. هؤلاء يحتاجون إلي إكسابهم المعرفة وتطوير ملكاتهم ومواهبهم بتعليم رشيد. كفء ينمي ملكة التفكير النقدي فيهم حتي لا يكونوا فريسة سهلة للتطرف ومصائد الإرهاب.. فهل تعيد الحكومة صياغة أولوياتها بدءا بتنمية الانسان عقليا وروحيا ووعيا ثم تمد له يد العون لينمي هو وطنه. ويكتب تاريخه بالعلم والمعرفة والأخلاق..؟!