بسيونى الحلوانى
خطبة الجمعة المكتوبة.. إهدار لقيمة الخطيب
لا أدري من العبقري الذي نصح د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بفكرة إلزام خطباء المساجد بخطبة مكتوبة ليصعد الشيخ الجليل - خطيب المسجد- وفي يده ورقة مكتوبة ليقرأ ما كتب له فيها علي جماهير مسجده وينزل من فوق المنبر دون أن يحترمه أحد؟
مَنْ صاحب هذه الفكرة ¢الجهنمية¢ التي تشوه صورة خطباء مساجد مصر وتحولهم من دعاة لهم شخصية علي المنبر ولهم قيمة في عيون جماهير المصلين- حتي ولو كانت لنا ملاحظات علي أداء بعضهم- الي مجرد ¢تلاميذ¢ يقرأون ما أعد وكتب لهم في ورق كما يفعل التلاميذ في طوابير المدارس الصباحية.. بل إن بعض التلاميذ في طوابير الصباح المدرسية يفكرون ويبدعون ويجيدون الخطابة ويكسبون احترام وتقدير زملائهم وأساتذتهم؟
قرأت تصريحات الوزير وما ساقه من مبررات فوجدتها واهية وغير مقنعة. حتي الذين يجتمع بهم من مساعديه يجارونه دون قناعة. وتتبعت ردود فعل خطباء المساجد. وأشرف بوجود عدد منهم علي صفحتي علي ¢الفيس بوك¢ و¢تويتر¢ فوجدتهم جميعا ساخطون وغاضبون ويفكر بعضهم في اعتزال مهنة الخطابة حتي لا تشوه صورته بين الجماهير التي تحترمه وتقدره وتتعامل معه علي أنه¢عالم¢ من علماء الأزهر.. وكتب أحدهم قائلا: ¢سأعتزل الخطابة لو أجبرت علي قراءة خطبة الجمعة من ورقة.. عامل المسجد أجدر بهذه المهمة¢.
الاستنتاج الوحيد الذي خرجت به من وراء إصرار الوزير علي إلزام الخطباء بخطبة مكتوبة أن وزارته فشلت في ضبط إيقاع المساجد علي منهج الوسطية والاعتدال حيث لا تزال عناصر متشددة تتسرب الي المساجد الكبري والصغري في جميع محافظات مصر وتبث أفكارها المتطرفة وقناعاتها السياسية المنحرفة من فوق منابر بعض المساجد.. وهذا الفشل لا يواجه بمصادرة حق خطباء المساجد في التفكير والابداع والتواصل الحقيقي مع الجماهير وكسب ثقتهم واحترامهم.
أيضا.. لابد أن تعترف وزارة الأوقاف في شجاعة بأنها فشلت في تدريب وتأهيل الدعاة الشباب وإمدادهم بالثقافات والمهارات التي تمكنهم من أداء رسالتهم الدعوية علي الوجه الأكمل وكسب احترام جماهير المساجد رغم ما لدي الوزارة من إمكانات مادية كبيرة ومن دعاة يمتلكون خبرات ومهارات ينبغي أن تنقل للأجيال الجديدة من الدعاة من خلال برامج تدريبية حقيقية بعيدا عن انشغال الوزارة بالشو الإعلامي أكثر من انشغالها بالدعوة والدعاة.
***
عاصرت عددا من وزراء الأوقاف السابقين وتحاورت معهم كما تعرفت علي رؤي كبار علماء الأزهر لتطوير أداء خطباء المساجد والرقي برسالة المسجد. ووقفت علي أساليب مواجهة وزراء الأوقاف السابقين للعناصر الشاردة. ولم يفكر واحد منهم في إلزام خطيب المسجد بصعود المنبر بورقة يقرأ منها لأنهم جميعا يدركون أن هذا المشهد لا يليق بداعية تربي وتعلم في الأزهر ويدركون أن خطيب الجمعة ينبغي أن يخاطب جماهيره وفق ما يقتضي المكان والزمان وما تفرضه الظروف المحيطة بالمسجد من قضايا وإشكاليات وكم جلست أمام خطباء شباب في أماكن متعددة في محافظات مصر وكانوا يفرضون احترامهم علي كل من يستمع إليهم. وقد كتبت مرارا عن عناصر متميزة تجسد الوجه المشرق لخطباء المساجد في مصر..كما انتقدت أداء خطباء مساجد لم يظهروا بالشكل الذي يليق بداعية عصري ننتظر منه أداء رسالته الدعوية بشكل مرض.
***
من حق خطباء المساجد في مصر أن يعبروا عن رؤاهم وقناعاتهم فيما يتعلق بوسائل وأدوات أداء عملهم. وكان ينبغي علي وزارة الأوقاف أن تطرح ما تفكر فيه علي مائدة علماء الدعوة الذين تزخر بهم جامعة الأزهر للمناقشة أولا.. وفي حالة التوافق عليه تطرحه علي مائدة الحوار مع خطباء المساجد للتعرف علي رؤاهم ليتم الاتفاق في النهاية علي ما يحقق رسالة المسجد .. لكن مفاجأة خطباء المساجد بقرار وزاري وتركهم يعبرون عن غضبهم وسخطهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي فهذا ليس من حسن السياسة ولا حسن القيادة. ولا يمكن أن يتحقق الاصلاح وتصحيح الأخطاء ومعالجة التجاوزات بهذا الشكل.
لذلك ينبغي أن يعيد وزير الأوقاف النظر في قراره وأن يعود للحوار مع العلماء والدعاة الذين يعتلون المنابر ويتواصلون مع الجماهير وليس مجموعة الموظفين الذين يجلسون علي المكاتب ولا يشغلهم إلا رضا الوزير والتخديم علي قراراته ودعم مواقفه وسياساته وعدم تقديم النصيحة الصادقة له.
ينبغي أن يعلم وزير الأوقاف أن حرية خطيب المسجد جزء لا يتجزأ من حرية المجتمع الذي يعيش فيه.. ونحن في مصر نعيش عصر ¢حرية الكلام¢ وما دام الداعية أو خطيب المسجد يتكلم بحرية مسئولة ويعرف حدود المباح والمحظور ويحترم الثوابت الدينية والمؤسسات الوطنية المعنية بحماية أمن الوطن الداخلي والخارجي فلا حرج أن يتحدث خطيب المسجد ليعبر عن آمال وتطلعات الجماهير فهو قائد رأي وصاحب فكر ولا خوف علي المجتمع من الدعاة وخطباء المساجد في ظل وعي الجماهير المصرية ورفضهم لكل صور الإسفاف والخروج علي المألوف.
علي وزير الأوقاف أن يتذكر مشاهد جماهير المساجد وهي ترفض تملق بعض الخطباء في عصر المعزول محمد مرسي حتي في حضوره.
جماهير المساجد في مصر واعية وراشدة.. وليست في حاجة الي وصاية من وزير الأوقاف أو غيره.