التحرير
أحمد الصاوى
خير تمثيل للبجاحة
لا أعرف إن كان ممدوح إسماعيل مالك العبارة الغارقة والهارب من مصر منذ نحو 9 سنوات اتخذ قراره بالعودة لمصر أم ليس بعد.

لكن ما أعرفه إن شيئا لن يمنع عودته، ولا حتى لعنات أمهات الشبان الغرقى، ودعوات الأطغال الذين ابتلع البحر آبائهم، وتركهم لليتم بلا ظهر أو سند.

لم تفلح كل هذه الدعوات وغيرها فى معاقبته هو وشركائه والمتسترين عليه، ولم تستعد حق شهيد واحد من 1034 شهيدا غرقوا خلال بضع ساعات فى مياه البحر الأحمر بينما الرئيس الأسبق حسنى مبارك يشاهد مباراة فى كرة القدم، مثلما لم تفلح ثورة كبرى قامت بعد ذلك فى محاسبة رأس النظام أو أى ركن فيه على جرائم كان غرق ضحايا العبارة واحدة منها.

لم تكن قضية ممدوح إسماعيل سوى نموذج واضح يكشف حقيقة نظام كان يحكم، بدءا من تسهيل احتكار رجل أعمال خطوط ملاحية إلى سيستم مهترىء لا يسمح برقابة ولا فرض جودة على الخدمات وحتى نظام إنقاذ لا تفزعه استغاثات المصريين الملتاعة ويتعامل مع الجثث باعتبارها أرقام لا أكثر، وقيادة سياسية تملك من الجلافة والانحطاط ما لا يسمح لها بإظهار أى قدر من المسؤولية والتعاطف مع الضحايا وذويهم، ونظام قانونى وقضائى كخيوط العنكبوت يسمح للدبابير الكبيرة بالمرور فيما لا يستقوى إلا على الهاموش الضعيف إلى حد الهشاشة.

لكل جيل نكستة، وتلك كانت نكسة جيل. لحظة إفاقة على حجم ما وصلنا إليه من تدني مع نظام بلا كفاءة ولا أخلاق، عرتها صور الجثث لحظة انتشالها وقصص أمهات على الشاطيء يتوسلون للبحر أن يكون أحن من النظام ويلقى بالضنى الغائب أو جثته.

تلك الدراما القاتلة السوداء التى تسمح لأم أن ترى طفلتها تموت متجمدة فى الماء، فتربطها بطرف حبل إلى خصرها لعلها تنجو فتخرج بجثتها أو تستقران سويا بالأسفل، وحين تفيق الأم على قارب نجاة تصعد وتسحب الحبل فتجد الطرف الآخر خاويا أكل السمك عقدته واستفرد بجثة الطفلة وغاص بها إلى القاع.

كل هذا الألم لم يكف ليحاسب أحدا، كل هذا العدد من الشهداء الذى يفوق شهداء الحروب وعقود متصلة من الإرهاب لم يكف لتتصدى أنظمة جاءت بعد الثورة رافعة شعارات العدالة لتحرك لهؤلاء عدالة انتهت بسقوط حكم الادانة الوحيد بانقضاء المدة.

مرت 9 سنوات على هروبه وأصدر النائب العام قرارا برفع اسمه من قوائم ترقب الوصول لأن حكم حبسه لسبع سنوات انقضت مدته.

من الغد يستطيع العودة، لا ملاحقات قضائية تنتظره، وكل شركائه الذين وضعتهم الثورة فى الزنازين الآن فى منازلهم آمنين، انتهت كافة العواصف الغريبة التى تحدثت عن العدالة، نجا النظام الذى انتمى لفساده وإهماله وجلافته فكيف لا ينجو هو؟!

يستطيع العودة اﻵن منتصرا غاسلا سمعته، حملات إعلامية الأرجح أنها تنتظره، حوارات صحفية وتلفزيونية تستطيع إثارة التعاطف معه، إظهاره شهيدا وضحية كما أظهرت غيره، وكأن 1034 إنسانا لم يمت غدرا وبعد ترويع ومنازعة قاسية مع الموت.

عد أيها المدان الهارب.. حفلات الأصدقاء وشاشاتهم فى انتظارك، لا تقلق ولا تنزوى مجددا، لا تخف وجهك، هذا زمن موت العار وانتصار البجاحة. . وانت خير من يمثل هذا الزمن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف