المساء
أحمد عمر
أصل الكلام .. ســـلام الشجـعـان
كثير من السكان الحاليين لهذا الكوكب البائس لم يكونوا قد ولدوا بعد ليشهدوا كيف وقف العالم مشدوها حابسا أنفاسه حينما قرر الرئيس المصري أنور السادات القفز فوق معطيات التاريخ والسياسة وعلم النفس والذهاب مباشرة إلي حصن الأعداء.. كان الوقت في نوفمبر 1977 حينما وقف أمام الكنيست يتحدث عن سلام الشجعان واستعادة الحقوق المسلوبة وإزالة جدار الكراهية.
مضت عقود ولا يبدو أن سلام الشجعان قد تحقق بقدر سلام التآمريين الذين يفعلون في الكواليس ما ينكرونه في العلن.. استمر الصراع العربي الإسرائيلي بضاعة ثمينة في سوق المتاجرة السياسية والمناورات الانتخابية سواء من جانب حكام تل أبيب أو من أنظمة عربية أقامت علاقات وتبادلت الزيارات السرية بينما تلعن في العلن الصهيونية والامبريالية العالمية!! صار استمرار القضية الفلسطينية مصدراً للشرعية لأنظمة تتشبث بمقاعد السلطة وتقمع مواطنيها تحت شعار ¢لا صوت يعلو فوق صوت المعركة¢ وإدعاء أن المطالبة بالحقوق والحريات مؤامرة صهيو أمريكية لإزاحة الحكام المناضلين الذين لم ينجحوا في الواقع إلا في التنكيل بالوطنيين وطرد الكفاءات وفرض الفقر والتخلف علي شعوب مسكينة يرضعونها الشعارات الجوفاء من إعلام منافق يسيطر عليه رجال الزعيم الملهم.. بل أن القضية الفلسطينية صارت ¢سبوبة¢ لفاسدين من الفلسطينيين أنفسهم لا يجدون غضاضة في المتاجرة بدماء إخوانهم ومصير شعبهم.
رسميا.. توجد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.. بعد صراع طويل انتصرت فيه إسرائيل في معركة إنما كسبت مصر الحرب.. ثأرنا من عدونا لكن عمليا مازال جدار الكراهية قائما.. ربما تصدع لكنه لم يسقط.. تروج مصادر مشكوك في ولاءاتها عن آلاف من المصريين هاجروا إلي إسرائيل ويخدمون في جيشها.. وتصدر دراسات عن ¢الغفران السياسي¢ وكيف تتجاوز الدول العداوات من أجل مصالحها.. كلام يبدو حقيقيا مطابقا للأدبيات المعروفة للعلاقات الدولية كالحكمة المنسوبة إلي القائد البريطاني التاريخي ¢وينستون تشرشل¢ أن ليس هناك أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون إنما هناك مصالح دائمة.. لكن وجهة النظر تلك تتجاهل ان السلام الأوروبي جاء في أعقاب اقتلاع كامل لنظام نازي تسبب في قتل أكثر من 10 ملايين إنسان.. وان كراهية قتل المغول لثلث سكان العالم انتهت بتماهي العدو مع الضحية إلي حد اعتناق ديانته.. في حين مازالت الملفات الشائكة في العلاقات العربية الإسرائيلية مفتوحة تنضح دما ساخنا.. إلي جانب الذكريات الأليمة لمشاهد الحرب.. مثل مذابح القري والمخيمات الفلسطينية وقصف الأطفال في فصولهم بمدرسة بحر البقر.. أو قتل الأسري.. إنها جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.. ومن ينادون بالغفران السياسي عليهم أن يعلنوا أيضا أن الغفران يقتضي الاعتراف بتلك الجرائم والاعتذار عنها بل وتعويض ضحاياها ومحاكمة مرتكبيها ولو تاريخيا ان كانوا قد غادروا دنيانا.
علاقتنا بإسرائيل طفت علي ساحة الاهتمام الشعبي منذ إعلان الرئيس السيسي في أسيوط عما وصف بمبادرة السلام الدافئ.. ثم جولة بنيامين نتنياهو في حوض النيل والسد الأثيوبي وداخل منطقة الحزام المصري الأفريقي.. وما أعقبها من مباحثات وزير الخارجية سامح شكري في تل أبيب.. تتابع المحطات الثلاث لا يعكس صراعات بقدر أن يكون حالة من التعاون وتبادل المصالح تتطلب إعادة تنظير لتلك العلاقات.. فبعد ثورتين لا يحتاج نظامنا الجديد صراعا شكليا يستثمر سياسيا.. ونريد فتح الملفات العالقة والاعتذار من جرائم الحرب.. مطلوب تحقيق سلام الشجعان الذي نادي به السادات قبل 39 عاما.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف