س: هل هناك معركة مفروضة على المسيحيين في مصر؟
ج: بالطبع نعم، بحكم أنهم أقلية عددية في دولة لا يحكمها القانون، ولا تمتثل له، حكومة وشعبا، ومن ثمّ تفرض الأغلبية شروطا لا تراعي في معظمها حقوق الأقليات، التي تجد نفسها أمام معركة مفروضة عليها، وليس بوسعها الدخول في صدام ستخسره لا محالة، إنما فقط تسعى لتخفيف الشروط وتغيير المعادلة، لأن الحديث عن مساواة كاملة فى بلد يتعامل مع القانون على أنه حبر على ورق، سذاجة مفرطة.
س: ما طبيعة هذه المعركة؟
ج: البعض يراها معركة وجود، تتجلى ملامحها في حوادث تهجير أسر مسيحية بالكامل من قراها، مثلما حدث في سمالوط بالمنيا مؤخرا، أو استهداف واضح للكهنة والرهبان، مثل كاهن العريش وراهبة الطريق الصحراوي.
لكن المعركة ليست معركة وجود بالضبط، فليست لدى الأغلبية المسلمة قدرة على إنهاء وجود الأقباط، لأسباب كثيرة، أهمها أنها فشلت في هذا منذ بدايات “الفتح العربي” كما يسميه المسلمون، أو “الغزو العربي” كما يصفه المسيحيون والمسلمون العلمانيون.
ربما يقول مسلم مثلا إن ذلك غير صحيح، وإن المسلمين لم يفشلوا في إنهاء الوجود المسيحي في مصر، لأنهم لم يرغبوا في ذلك أصلا، ومن اللحظة الأولى كانوا يريدون العيش المشترك. هنا نرده لحقائق مهمة،
أولها أن فلسفة نشر الإسلام كانت قائمة على النصيحة النبوية “أسلم تسلم”، ومعناها أنك إن أسلمت سلمت من المواجهة بالحرب، أو تتحول إلى مواطن درجة ثانية يدفع الجزية، فهل عندما دخل عمرو بن العاص وجيشه مصر لم يقل للجميع أسلموا؟ هل أراد البعض دخول الإسلام وردّهم عمرو؟ بالتأكيد لا. إذن فالحقيقة أن المسلمين أرادوا إنهاء الوجود المسيحي بمصر، كما أرادوا إنهاء وجود أيّة ديانة في أيّة دولة دخلوها، هذه رغبة كانت موجودة، أوقف تحقيقها أن بعض الناس كانوا متمسكين بدياناتهم وقبلوا مقابا هذا شروطا قاسية، أهمها أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية.
ثاني هذه الحقائق، التنكيل الذي تعرض له المسيحيون على يد عمرو بن العاص، وذكره عدد كبير من محققي التاريخ، ويرفض كثيرون من المسلمين الاعتراف به، ومن يعترف يبرر الأمر بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يكن يعرف بالأمر، رغم أن عدم معرفة أمير المؤمنين لا تنفي وقوع التنكيل.
ثالث هذه الحقائق أن التاريخ المسيحي يذكر فصولا طويلة من المقاومة القبطية ضد الوجود العربي/ الإسلامي في مصر، وهذا يعنى أن الطرفين كان بينهما صراع مسلح في أغلب الأوقات.
رغم ذلك كله، فأنا ضد توصيف المعركة الآن على أنها معركة وجود، بغض النظر عن استمرار الإسلاميين فى الحديث عن الجزية وعدم حق المسيحيين في بناء كنائس ورفض توليهم مناصب قيادية مهمة بالدولة، وحالات التهجير القسري التى تحدث كثيرا وتباركها الدولة بجلساتها العرفية.
وربما يكون التوصيف الدقيق للوضع أنه حالة “تمييز عنصري” تشترك فيها الدولة بمؤسساتها ومعظم أبناء الأغلبية المسلمة، ضد الأقلية العددية المسيحية.
س: كيف تشترك الدولة في التمييز العنصري ضد الأقباط؟
ج: تدعي الدولة وتزعم أنها تساوي بين المسلمين والمسيحيين، لكن هذا الادعاء كاذب، وبالنظر للعقود الستة الماضية ستكتشف الحقيقة عبر الإجابة على بعض الاسئلة، كم مسيحيا تولى منصب وزير؟ هل وصل أحد المسيحيين إلى رئاسة الوزراء أو منصب في البرلمان، رئيسا أو وكيلا أو رئيس لجنة؟ كم مسيحيا تولى منصبا قياديا في الجيش؟ هل عرف المسيحيون طريقهم إلى عضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ هل تولى أحدهم منصب وزير الداخلية أو العدل؟ هل وصل مسيحي إلى مؤسسة الرئاسة، مسئولا بديوان الرئاسة مثلا؟ هل تولى أحدهم منصبا بالمخابرات العامة أو الرقابة الإدارية أو الأمن الوطني؟ وكم رئيس جامعة و عميد كلية؟ وكم محافظا مسيحيا لدينا؟ بل كم لاعب كرة في الفرق الكبرى من المسيحيين؟ ألم ينجب المسيحيون من يستحقون الوصول إلى هذه المناصب والمواقع؟ حاول الإجابة على هذه الأسئلة وستتأكد من كذب الدولة في الحديث عن المساواة.
س: هل يدرك الأقباط قيادة وشعبا كل ماسبق؟
ج: نعم، وبالفعل هذه قناعاتهم، لكن الخنوع والسلبية تمكّنا منهم، وصار شعور أنهم أقلية ومواطنون من الدرجة الثانية يحكم سلوكياتهم وتعاطيهم مع مشكلاتهم، ولذلك أسباب عدة، أولها كنسي إكليروسي، فالكنيسة تمكنت عبر عقود خلت من سحب أتباعها إلى داخل أسوارها، وفرض وصاية لاهوتية إكليروسية عليهم، فصار من يشترك منهم في العمل العام والسياسي استثناء يثبت القاعدة، وباتت الحصة الأكبر تخضع لرجال الدين في كل شؤونها الخاصة والعامة.
ثاني هذه الأسباب هو عدم ثقتهم في أن الدولة تريد إنصافهم بتطبيق القانون بموضوعية وجدية، ومنحهم حقوقهم الإنسانية، بداية من السماح ببناء دور عبادة لهم، وحتى توليهم مناصب مهمة في البلد، وثالثها تقديمهم لإطاعة النصوص المسيحية التي تدفعهم للاستكانة والرضوخ، على فكرة أنهم مواطنون لهم حقوق دنيوية لا بد من الحصول عليها، مع تبرير مخل بأن السماحة التى تدعو لها النصوص تمنعهم من الدخول في صراع.
لا أعرف من قال لهم إن المطالبة بالحقوق تتنافى مع السماحة، نحن لم نطالبهم بحمل السلاح ولا الدخول في صراع دموي. فقط عليهم تنظيم تحركات سلمية للحصول على حقوقهم.
س: ما العمل؟
ج: العمل في التمسك بالديمقراطية، والديمقراطية لا تُفرض أبدا بإرادة الطرف الذي يمثل القوة والأغلبية، فدائما ما تُفرض بنضال ومثابرة الطرف الضعيف، عندما ينجح في تنظيم نفسه، واستخدام إمكانياته، حتى تصبح تحركاته السلمية بالضرورة مزعجة للطرف الأقوى، فيصير غير قادر على دفع ثمنها، وهناك نماذج لأقليات كثيرة في العالم نجحت في ذلك، مثل السود في أمريكا خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وانتهى الأمر بأنهم وصلوا لأعلى المراكز في الدولة، منها منصب الرئيس باراك أوباما.
على الكنيسة أن تدرك أن الزمن تغير، وأن حبس الأقباط داخل أسوار الكنائس لم يعد يجدى نفعا، ولا يتسق مع روح العصر، وأن انصياعها التام وغير المشروط للسلطة لن يحقق لشعبها أي مكاسب.
لا بد من أن يبدأ المسيحيون برفض التمركز خلف أسوار الكنائس، والتمترس خلف ما يعتبرونه سماحة دينية، وأن يتجهوا لتشكيل تنظيمات سياسية تشارك في المجال العام والسياسي، وتنخرط بين صفوف الثورة ضد الفساد والاستبداد وغياب دولة العدل والقانون. بهذه التنظيمات فقط نستطيع إحداث توازن أمام سيطرة العقلية الدينية الراديكالية على الحكم والعمل السياسي.