ذات يوم وخلال مؤتمر صحفي كبير، وقف الأسد الجسور السيد وزير الخارجية المصريّ “سامح شُكري” ليقوم بإلقاء مايكروفون قناة الجزيرة الإخبارية، والتي لا يخفى على أحد دورها المشبوه في إيذاء مصر سواء بتحريف مسار الثورة المصريّة أو بتزييف حقائق كثيرة أو بدعم تيارات بعينها في مصر وسوريا واليمن على حساب أرواح وأمن الشعوب.
تباينت ردود الفعل على تلك الحادثة بين مؤيد ومستهزئ ومعارض وغير مهتم، ولكن أكثر ردود الأفعال وجاهة ومنطق كانت تتلخّص في أن إلقاء المايكروفون ليس هو الحل أمام وجود إمبراطورية إعلامية كالجزيرة تعمل على ترويج الشائعات ودس السم في العسل ونقل وجهات النظر الواحدة إلى العالم كله في الشأن المصري والعربي، وأن دولة بحجم مصر دورها لا يمكن أن ينحصر في ظاهرة عضلية كتلك دون العمل على وجود كيانات إعلامية تستطيع أن تثبت قدراتها وتحتل مكانتها بين وكالات الأنباء الدولية كما فعلت الجزيرة، خاصة وأن مصر لا ينقصها شيء سواء في مجال الإنتاج الإعلامي أو وجود الكفاءات التي قامت على أكتافها فضائيات عربية ودولية معروفة.
اليوم ذهب شكري إلى تل أبيب ليشارك في مؤتمر صحفي بالاشتراك مع رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني “بنيامين نتنياهو” الكائن سيء الذِكر، الذي تكبّدت الإنسانية ثمن غالٍ مقابل وجوده في هذا الموقع، والذي يقوم بدور مشبوه في أزمة حوض النيل التي تعد أخطر الأزمات التي تواجه مصر على الإطلاق.
وقف شكري إلى جواره وتحدث في مايكروفون الاحتلال الذي تلوّثت يده بدماء المصريين منذ عام 1948 وحتّى يومنا هذا، الكيان الذي وجّه سلاحه في وجوه وأجساد المصريين والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين مباشرة، واليوم يوجه سلاحه مرّة أخرى بأيدي المرتزقة الإرهابيين في المنطقة من العراق وسوريا إلى سيناء والواحات.
وقف شكري أمام المايكروفون ولم يلقه أرضاً، بل كاد يرفعه فوق رأسه فخراً، وتحدث عن العلاقات القوية والسلام مع تل أبيب التي اتهمت حكومته كافة معارضيها بالعمالة لصالحها، صافح رأس سُلطة الاحتلال بيده التي ألقت مايكروفون صبيان تل أبيب أرضاً من قبل، واختتم يومه بالذهاب إلى منزل نتنياهو لمشاهدة مباراة نهائي كأس أوروبا على قناة “بين سبورت” التابعة لشبكة قنوات الجزيرة، والتي تملك حق البث الحصري للمباريات، ويا لها من مفارقة من المضحكات المبكيات حيث وقف صباحاً أمام المايكروفون الأصلي لرأس المؤآمرة وقضى سهرته مساءً أمام شاشة الجزيرة دون أن ينبس ببنت شفة هذه المرّة، فما كان الداعي للتسرّع وإلقاء المايكروفون في المرّة السابقة؟ ألم يفكّر سيادته في هذا اليوم الذي ستسقط بطولته الكبرى أرضاً؟ ألم يتوقّع أن أعظم إنجازاته ستصبح في عداد المفقودين بعد تلك الحادثة؟ من الواضح أن أمر الزيارة كان أكثر أهمية من حرص وزير خارجية بلادنا على ماء وجهه.
لم يعد أحد يهتم أو يبالي أو حتّى يستقطع من وقته في انتظار تبريرات وردود أفعال جوقات التبرير اللاإرادي التي لم تترك عاراً إلا وبررته، ولم تدّخر جهداً في تسفيه كل صوت معارض يحمل قدراً من المنطق، فهؤلاء الآن أضحوا يسبحون في فضاء موازٍ لا يمكن استردادهم منه.
هم يعيشون قصص البطولات الضخمة، والتي تبلغ ضخامتها حجم الخيبة التي يراها الجميع، فها نحن الآن أمام أعداء المؤامرات الصهيونية ونراهم يرحبون بالصداقة مع رأس المؤامرات، ها نحن أمام فيالق القوميّة العربيّة الذين تقاضوا أجورهم مقابل قوميّتهم، وبدأوا عصر التطبيع بنفس طاقة وحماس القومية، ها نحن أمام وطنيين يدافعون عن التفريط في أرض الوطن ويعتّمون على أخبار استشهاد جنود وضباط الجيش في سيناء، ها نحن في زمن عديم الطعم يقبع فيه مالك عدلي خلف أسوار السجن في حالة صحيّة حرجة بعد دفاعه المستميت عن أرض وطنه، ويصفّق فيه النَبت الشيطاني لفعل أكثر شيطانيّة من تلك الغفلة البغيضة التي أنبتته فوق أرضنا. ها نحن نصافح الأعداء ونشاركهم المؤامرة على أنفسنا ونتحدث عن السلام! يا سلام.