ستطرق هذا العبارة مسامعك كثيرا، وستسمعها تترد على ألسنة الساسة والمحللين، وربما بعد المتحذلقين من علماء الأزهر ودعاته، وربما تكسب العبارة شهرة أكبر حين تتردد على لسان رئيس الدولة فى أكثر من مناسبة، وستعقد المؤتمرات والندوات تحت هذا العنوان وسيمتد مداد الصحف وبرامج التوك شو فى الحديث عنها.
لكن المؤكد فى كل هذه الجلبة والزخم، أن هذ التجديد لن يتحقق، ولن يقترب حتى أحد من أسواره العالية، والتى بلغ عمرها قرونا طويلة.
بداية ماذا يعنى الخطاب الدينى؟ وأى خطاب دينى نقصد؟ ومن الأقدر على تجديد الخطاب الديني؟
الخطاب الدينى هو كل منتج سمعي أو بصري، مكتوبا كان أم مصورا، يتحدث عن الإسلام أو أحكامه أو قيمه أو مضامينه أو شيئا يريد إلزام الناس به أو دعوتهم الى فعله أو اجتنابه، سواء كان فى صورة وعظ مباشر أو غير مباشر، تضمنته خطبة جمعة أودرس مسجد أو تلفاز أوكتابا أو إذاعة أو فيلما أو مسرحية أو أغنية، أوغيرها من وسائل الإتصال، إتصل ذلك كله أو تضمن آية من كتاب الله أو حديثا أو أثرا أو نحو ذلك، مما يمثل أو يصنع دائرة الإلزام الدينى أو الخلقي، متضمنا فى النهاية مجموعة من النواهي أو الأوامر التى يحب أهل الفقه تصنيفها بين حلال وحرام ومكروه ومستحب وغيرها من التقسيمات، التى تضمنتها فروع ما يسمى بعلوم الدين، وهذا الخطاب ينطق به دعاة مختلفون فى المشرب والقصد، فمنهم محسوبون على الأزهر الشريف تلقوا علومهم فيه، وصبغ خطابهم ما عاناه الأزهر عبر قرون من آثار تملق السلطة أو تملق العوام، أو الإخلاص للمرويات أو كتب التراث والجد فى نقلها، كما وصلتهم دون قراءة رأسية أو حتى أفقية فى بعض الأحيان، ومنهم من تلقى علوم الدين فى كيانات حركية سلفية كانت أم إخوانية أم جهادية، قدمت نفسها باعتبارها الأكثر تحررا من التوظيف السياسى من قبل السلطة التى استبدلت بها سلطة الأيدلوجية الخاصة بها، وبين هؤلاء وأولئك دعاة وعلماء مستقلون عن سلطة الدولة وسلطة تلك الكيانات الحركية، وهؤلاء دوما يتعرضون للهجوم من الجهتين باعتبارهم أحرار فى توجهاتهم إلا من سلطان العلم والضمير، ولا سلطان لهم ولا جمهور.
لذا من المهم ونحن نتحدث عن أى خطاب دينى ندرك التمايز بين نسخ الخطابات الدينية التى تتصارع فى واقعنا، وموقع كل منها من قضية التجديد، بين نسخة رسمية للأزهر تبقى أسيرة توجهات ورغبات السلطة أيا كانت، فهى تدعو إلى إشتراكية الإسلام عندما تكون السلطة ناصرية، وهى رأسمالية عندما تأتى سلطة السادات، أو مسخا على عهد مبارك وهكذا دواليك، وأنا أتعحب أحيانا عندما يردد الرئيس السيسى كل عام عندما تحل مناسبة ليلة القدر، فيخاطب علماء الأزهر يطالبهم بإصلاح الخطاب الدينى وفتح باب الاجتهاد وإعادة قراءة التراث بواقعية واستنارة وشجاعة كان يملكها الأقدمون.
يا سيدى من كان جزءا من المشكلة لن يكون جزءا من الحل، هذه واحدة أما الثانية أن الإصلاح حلقات متداخلة لا يمكن الحديث عن إصلاح الخطاب الدينى دون إصلاح العلوم الدينية، التى لايمكن إصلاحها إلا عبر مناهج علمية وطرق ومسارات تمر عبر إصلاح السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة، وهى منظومات متداخلة لكن أكثرها تأثيرا هى منظومة السياسة، فهى كالقلب من الجسد فى الدولة، والتى يملك مفاتيحها الرئيس وحده، بطبيعة الحال لا يستطيع أحد أن يدعى رشدا أو عمقا أو فتحا مبينا إذا تحدثنا عن نمط الحكم الحالى بسلوكه وتركيبته، لذا سيبقى التجديد لدى الأغلبية الكاسحة التى تملك السلطة على الجهتين هو تجديد وسائل الدعوة وتمييز السنة من البدعة على طريقة كل طرف فى تحرير ثوابته التى يقدمها باعتبارها ثوابت الدين، وهى قدس الأقداس لدى كل فريق يختبأ خلفها ويمرر من تحتها أهدافه ومراميه الخاصة.
وسيبقى الفريق الثالث خاضعا لسيف كل سلطان من هؤلاء، فلا يتجاسر على الجهر بالمعنى الصحيح للتجديد والمقصود منه، بالرغم من أنه هو المعني بالتجديد بالفعل باعتباره الأكثر تحررا من سلطتهم، والأقدر ربما علميا وذهنيا على فعل ذلك.
من العبث أن نطالب الأزهر بالتجديد، وهو مخترق بكل تلك التيارات الحركية سلفية وإخوانية وجهادية، فضلا عن مجموعات الجمود التاريخى التى لازالت تعتبر أن التجديد هو فى الوسائل، وأن المقصود بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد الدين على رأس كل قرن هم أئمة المذاهب، وربما بعض الولاة كعمر بن عبدالعزيز، الأمر الذى لا يعنى سوى أننا سنبقى لسنوات قادمة نتحدث عن التجديد دون أن نخطو خطوة واحدة نحو صنعه أو حتى الاقتراب من أسواره، وبالتالى سنبقى هكذا ثقبا أسود فى عالمنا على غير مراد الله لنا الذى أراد أن نكون طاقة نور لأنفسنا ولعالمنا.