المساء
محمد جبريل
محمد فوده
أثق أن المتابعين لتطورات حالة الكاتب الصحفي الكبير محمد فوده الصحية لم يقتصروا علي أسرته ولا عائلته ولا زملائه. كانت سرعة شفائه من العارض الصحي شاغل من تعرف إلي الرجل. سواء بالصداقة أو الزمالة. أو حتي المعرفة العابرة.
أردت أن أهدي كتاباً إلي محمد فوده. لم أجد أصدق من أن أحيي فيه إنسانية الإنسان. هذا هو المعني الحقيقي لشخصية الرجل. ليس من وجهة نظري وحدها. بل هي وجهة النظر التي يجمع عليها كل من عرفوه عن قرب.
أول لقاءاتنا عقب عودتي- في منتصف الثمانينيات - من رحلة عمل خليجية. هو مدير تحرير ¢ المساء¢ وأنا عائد لرئاسة القسم الثقافي. جذبني إليه شخصية هادئة. مثقفة. يحسن الإصغاء والتعبير عن الرأي. ويعي طبيعة القيادة الصحفية. وإنها ليست إملاء وشخطاً. لكنها زمالة واقتناع مشترك.
ظلت صداقة محمد فوده ملاذاً مهماً يكاد يكون وحيداً أثناء فترة عمله مديراً لتحرير المساء. ثم بعد توليه رئاسة تحرير ¢ حريتي¢. فعودته إلي المساء رئيساً للتحرير. ثم تفرغه للكتابة في القضايا العامة.
المواطن المصري البسيط هم محمد فوده. يناقش مشكلاته. يدافع عن حقوق الطبقات الفقيرة والمحرومة وسكان القري والعشوائيات. فإذا تطرق إلي مشكلة سياسية. عبر عن الانتماء العروبي لبلاده. لا يلجأ إلي الشعارات المبهرة. ولا الجدل العقيم. ولا العبارات التي تبتز المشاعر. بل يصدر عن فهم للمرحلة القاسية التي يجتازها الوطن العربي. وما يواجهه من مآزق ومؤامرات وأخطار.
ظني أنه كان من الصعب أن يظل انتمائي إلي ¢ المساء ¢ منذ أوائل الستينيات. علي أسريته وتوثقه. وتخطيه الكثير من السخافات والعقبات التي أحدثتها ظروف غريبة. ضاغطة. لولا نفس محمد فوده المحبة. وقدرته علي العطاء الإنساني. وهو ما أملي إهدائي الذي حدثتك عنه.
كم تأثرت لانشغال محمد فوده بظروفي الصحية. التأثيرات السلبية لعملية فاشلة أجراها في عمودي الفقري طبيب كبير. لولا أني أعرف فوده جيداً. كنت سأدهش لانشغاله - وهو يقاوم المرض - بظروفي الصحية. لم يقصر اهتمامه علي الكلمات المواسية. لكنه أفرد مساحة مقاله اليومي في ¢ المساء¢. والأسبوعي في ¢ الجمهورية¢ لتنبيه المسئولين إلي خطورة بقاء وضعي الصحي علي حاله.
عودة محمد فوده إلي الحياة العامة. إلي قلمه وقرائه والقضايا التي تشغل الوطن. وتشغله بالتالي. تعني - بأبسط عبارة - عودة قيمة إنسانية ووطنية. تجاوز اهتماماته الدوائر الضيقة. فتمتد. وتتسع. لتشمل الأفق الإنساني برحابته المطلقة.
يا أستاذ محمد فوده : حمدا لله علي السلامة!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف