المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. العرب لن يحاكموا بلير
الدرس الأهم الذي يجب أن نتعلمه من مسرحية "تقرير تشيلكوت" البريطاني حول غزو العراق أن الشعوب الحية لا تنسي جراحها.. ولا تتنازل عن معرفة الحقيقة مهما كانت ومهما تطاول عليها الزمن.. ولا تتسامح مع زعمائها الذين تسببوا في مصائبها.. وأن لجان تقصي الحقائق عندها تعمل بمسئولية لكشف الحقائق فعلاً وليس لإخفائها والتستر عليها.
لقد استغرق إعداد هذا التقرير 7 سنوات.. ظلت لجنة "تشيلكوت" تعمل خلالها بدأب من أجل معرفة الحقيقة.. وحين أعلن التقرير الأسبوع الماضي كانت 13 سنة قد مضت علي غزو العراق في .2003
أقول "مسرحية تقرير تشيلكوت" لأن الأمر بالنسبة لنا يبدو فعلاً مسرحية نتفرج عليها دون أن يكون لنا دور فيها.. مع أنها تتحدث عنا وعن مأساتنا الكبري.. هل من المعقول أن تهتم اللجنة في تقريرها بـ 179 ضابطاً وجندياً بريطانياً قضوا في هذه الحرب القذرة ولا تأتي مطلقاً علي ذكر لأكثر من مليون عراقي قتلوا وشردوا وسجنوا وعذبوا.. ولجيش العراق الذي تم تفكيكه وتسريحه.. ولدولة العراق التي جري تخريبها ونهب خيراتها وزرع الفتن بين ربوعها حتي لا تقوم لها قائمة؟!
لقد اعترف التقرير بأن الأسس القانونية والمخابراتية التي مهدت للتحرك عسكرياً ضد نظام صدام حسين كانت معيبة.. وأن الغزو لم يكن الملاذ الأخير أمام حكومة توني بلير آنذاك.. وأن بلير ضخم تهديد مستوي التسليح العراقي وتجاهل تحذيرات بإمكان تسبب عملية الغزو في دعم أنشطة تنظيم القاعدة ونقل أسلحة العراق إلي أيدي التشكيلات الإرهابية.
والحقيقة أن معالجة التقرير للقضية بهذا الشكل فيها كثير من المداهنة.. ولغته الناعمة لا تدين بلير بما يجب أن تدينه.. ناهيك عن أنها قصرت عن أن تطال حليفه جورج بوش رأس الفساد وأس البلاء.. خصوصاً بعدما تأكد أن الغزو كان السبب المباشر لانطلاق غول الإرهاب في العراق والشام.. ولم يتوقف الأمر علي القاعدة وإنما ظهر "داعش" وانتشر وتمدد.. وصار يهدد المنطقة كلها - بل العالم أجمع - بالموت والخراب كل يوم.
التقرير توقف عند استهانة بلير بمجلس العموم البريطاني "البرلمان" والأصوات المعارضة للغزو في الحكومة وانسياقه وراء حليفه جورج بوش الابن بلا تدبر للعواقب مما أدي إلي خسارة 179 ضابطاً وجندياً بريطانياً بخلاف الخسائر المادية التي تكبدتها الميزانية العامة.. لكنه لم يتوقف عند النتائج الأهم والأبعد أثراً.. ولم يتعرض لرد فعل الشعب العراقي الذي أهينت كرامته وجرح كبرياؤه.. وربما ظنوا أن الغزو سيكون مجرد نزهة.
اللعبة الآن تكشفت تماماً.. وظهرت أبعادها جلية.. فلقد كان الهدف تدمير العراق الدولة والجيش لصالح إسرائيل.. لم يكن صدام حسين ديمقراطياً.. ولم ينجح الغزو في أن يجعل العراق ديمقراطياً.. وإنما جعله ممزق الأوصال.. مشوه الهوية.
وإذا وجدت دعوة مجلس النواب آذاناً صاغية لفتح ملف الغزو في القمة العربية القادمة ومحاكمة بلير وبوش فإننا سنكون أمام نقلة عربية غير مسبوقة.. لأن هذه المحاكمة سوف تأتي بأطراف عربية مهمة إلي قفص الاتهام.. فهناك من ساعد وساند الغزاة.. وهناك من وشي وادعي زوراً أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل.. ورد ذلك في اعتراف علني لجورج بوش الابن.. وهناك من لاذ بالصمت لكي تمر الجريمة.
باختصار.. المؤامرة كانت دولية.. والأطراف العربية المتورطة لن تسمح أبداًَ بفتح الملف.. ولا بالمحاكمة.. وسيظل بلير مستشاراً مهماً لبعض العواصم العربية.. وضيفاً مرحباً به في المساحة الشاسعة.. من المحيط إلي الخليج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف