المصرى اليوم
أحمد الجمال
خاتمة.. حول البديل
أختتم الجزء الأول من الحوار الثرى الذى دار على صفحة «المصرى اليوم» ومعها البريد الإلكترونى والتواصل الاجتماعى حول البديل الذى يمكن أن يملأ الفراغ الناجم عن رفض وجود التيار والتنظيمات المستندة لما يزعمون أنه مرجعية دينية إسلامية، والجزء الثانى الذى أتصوره سيكون نقل الحوار من مرحلة إبداء الرأى والانصراف إلى مرحلة التمهيد لعمل جاد يكون تحضيرا لما أتصور أنه لقاء الساعين للفعل الإيجابى فى الساحة الوطنية، وربما يكون الجزء الثالث هو تخطيط.. وتقسيم عمل.. وتكامل أدوار وخبرات وتواصلا مع مَن بيدهم المساعدة على التنفيذ والتوجه بما لدينا لقطاعات نتعشم أنها ستكون خمائر التغيير المنشود.
لقد فتحت الباب أمام كل وجهات النظر من داخل مصر ومن خارجها، ولم أنشر هنا بعض ما جاء على البريد الإلكترونى وفيس بوك وفيه خروج على المألوف من آداب مرعية للحوار- أى حوار- وفيه أيضا سباب وإسفاف، وهذا بحد ذاته يُعد نقلة نوعية فى مسار العبدلله، الذى لم يكن يفلت فرصة للاشتباك وبكل الأسلحة والعبارات!

وكنت قد وعدت أننى سأشارك فى النهاية بوجهة نظرى حول البديل، وأذكر أولاً لصاحب الفضل فضله، وهو الأستاذ غسان طهبوب، المفكر العربى، الإعلامى المتميز، الذى بادر بطرح السؤال الذى دار من حوله الحوار.

لقد لاحظت أن البعض فهم أن البديل الذى نتحدث عنه هو ما يتعين عمله فى التعليم والثقافة وغيرهما من مجالات النشاط الإنسانى، وفهم آخرون أن المقصود بالفراغ هو غياب أشخاص وتنظيمات الإخوان ومَن شاكلهم فيما هم موجودون منتشرون وفاعلون فى أكثر من مجال وموقع، وذهب آخرون إلى أن بديل «النزوع للمرجعيات الدينية» هو التوجه نحو القومية، ونحو العلمانية، ففيهما الحل الجذرى لكل المشاكل، وكلتاهما علاج لكل الأخطاء!

ولست بصدد التعقيب على كل وجهة نظر تلقيتها، فهذا يجعل الموضوع بلا نهاية على مدار أسابيع، حتى لو نشرنا المادة يوميا، وإنما أجدنى بصدد ما أعتقد أنه البديل.

وبداية فإن البديل الذى أظن أنه المقصود هو الإجابة عن سؤال محورى: كيف نسعى- باختلاف مشاربنا الفكرية وتوجهاتنا السياسية ومواقفنا الأيديولوجية وأوضاعنا الاقتصادية الاجتماعية- إلى أن نجد الأمة تعليما وصحة ومعيشة وإلى آخر كل المجالات، نجدها لائقة بمصر وباستحقاقها لكى تكون متقدمة قوية فاعلة شأن بقية الأمم الحية المتقدمة فى الشمال والشرق والغرب.. بل الجنوب أيضا؟! ثم كيف تكون لمصر حياة سياسية محترمة فيها أحزاب فاعلة مؤثرة لأنها تعبير عن قوى اجتماعية أو عن أفكار مركزية، وكيف تكون لمصر شخصيتها الحضارية والثقافية المتكاملة الشاملة الجامعة لكل مقوماتها التاريخية والجغرافية والوجدانية، وكيف تعمل مصر على توظيف موقعها وموضعها ومكانتها فى أفريقيا، وفى المنظومة العربية، والأخرى العالم ثالثية، والأخيرة الدولية، توظيفا سليما يتناسب مع حقائق وجودها الجغرافى والجغرافى السياسى والحضارى... إلى آخره دون أن يكون سعيها لدورها المتعاظم المؤثر سعيا لحتفها بظلفها مثلما حدث فى مراحل سابقة؟!

أظن أن لا أحد يختلف على ما سبق، وعلى ذلك تصبح القضية ليست مَن أنت أو مَن أنا فكريا وعقائديا وسياسيا، وإنما تكون القضية هى دوران الجميع فى فلك واحد تتباعد فيه المسافة أو تقصر عن المركز، ولكن الكل يدور حيث المركز هو مصر.. ومصر ليست كلمة غيبية عامة مطلقة.. وإنما هى هذه الدولة التى لها إقليم برى وبحرى وجوى ولها شعب وفيها سلطة موزعة بين تشريعية وقضائية وتنفيذية.. وهى هذه الدولة التى سبق وجودها معظم- إن لم يكن كل- «الدول»، ومرت عليها مراحل تاريخية متعددة وطويلة، وتعرض الخط البيانى لوجودها ودورها للصعود والهبوط، وكانت الكارثة دوما هى أن يتم قطع وبتر اتصال هذا السياق التاريخى الطويل.

ولقد ثبت أن تماسك الكل الوطنى وسعيه للعمل المشترك يتجلى ويتضاعف فى مراحل التحول من «الهبوط والاضمحلال» إلى «الصعود والقوة»، ولذلك يصبح «الميكانيزم» أو الطريقة للوصول إلى تماسك الكل الوطنى ودورانه فى فلك المركز هو- فيما أعتقد- عبارة موجزة «التمسك بالدولة المصرية تمسكا لا يحتمل تفريطا ولا مزاحا من أى نوع ودرجة، وفعل كل ما من شأنه عظمة هذه الدولة».

هدف واضح محدد: وجود مصر المتماسكة القوية المتوازنة المؤهلة لأداء دورها! يعنى حضرتك ليبرالى.. أو حضرتك علمانى.. أو حضرتك قومى أو حضرتك إسلامى أو حضرتك شوفينى مصرى لا تعترف بأى اتجاه ولا أيديولوجيا.. أهلا وسهلا، وما أفهمه هو أن حضرتك لا تمانع فى أن تسعى مع الجميع من أجل تعليم مصرى متميز ومتقدم، ومثلما التعليم يكون كل مجال! لأن حضرتك ربما تكون معى فى أن التقدم العلمى والتقنى فى العالم الآن وضع الوصفات العلمية والتقنية المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، مثلما هو بناء بناية ناطحة ما فوق السحاب.. تكون أبحاث التربة وأبحاث خلطة مواد الأساسات وغيرهما إلى آخر نقطة فى الناطحة أمورا معروفة ولها مواصفات وينفذها ويشرف عليها خبراء من البشر، وبصرف النظر عن الخلفية الفكرية والسياسية والاعتقاد الدينى أو اللا دينى لهم!

هل يعنى ذلك أن نصب المجتمع فى قالب واحد دون أى اختلاف؟ والإجابة هى لا.. وبالثلث، فالاختلاف واجب، بل ربما حتمى، ولكن مجاله فيما أعتقد هو على مدى التجويد فى المهمة، وعلى ضمان أفضل النتائج فى جداول زمنية محددة!

وفى ظنى أن أول خطوة هى أن يلتئم شمل بعضنا لهدف محدد هو دراسة ما جرى فى مصر وللمصريين وأدى إلى نقلهم نقلة فاجعة من مجتمع يجتمع على قلب رجل واحد لمواجهة العدو ولتبين أسباب وآثار هزيمة 1967، وكان لهم ما أرادوا بحربى الاستنزاف وأكتوبر، ثم «إذ فجأة» يصبح الأمر مختلفا.. تفرق ويأس ونهب وسلب وإثراء غير مشروع وضياع للإرادة الوطنية ونزوح جماعى للهجرة فى الإقليم والعالم ومنظومات قيم مُعَوِّقة للنمو والتنمية ومُكَرِّسة للخلاص الفردى والصعود على جماجم ولحم الوطن!

ثم يلتئم شمل بعضنا الآخر لدراسة أبعاد فشل القوى السياسية والحزبية، واضمحلال التيارات السياسية اليسارية والليبرالية لحساب صعود المد الدينى، ومقدمات ونتائج ثورتى يناير ويونيو!

ثم يصب ذلك كله فى إنجاز الإجابة عن كيف تكون الدولة المصرية هى محور الارتكاز ومركز الدوران، وكيف ننجز ما نريده فى كل المجالات، وكيف لا نسقط مرة ثانية مثلما سقطنا فى هوة المرحلة الانتقالية من نصر 1973 إلى مستنقع النهب والاستبداد وما ترتب عليه؟

أنتهى إلى دعوة مَن يريد أن يساهم فى الخطوة الأولى حول ماذا جرى إلى أن نتواصل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف