المصرى اليوم
حمدى رزق
مش بطلبها منك صدقة أو إحسان!!
ضرب مثلاً، يعلن الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة لاحقا، حصاد حملة التبرعات العينية والنقدية التى تحصلت عليها مستشفيات جامعة القاهرة (14 مستشفى ومعهدا)، تأكيدا للشفافية واحترام حق الرأى العام فى المعرفة.
الدكتور نصار فى مبادرته النزيهة يضع يده على أمرين خطيرين، الأول: ضرورة الالتزام الصارم بالمسارات التى حددها المتبرع كإطار شرعى لصرف هذه التبرعات بحيث تتحقق رغبة المتبرع وفقاً لما حدده فى تبرعه، والثانى عدم استخدام هذه التبرعات كأجور ومكافآت، واعتبار ذلك مخالفة تأديبية وجريمة جنائية!.

والأخير مربط الفرس فى الجدل الهائل الذى يغشى مواقع التواصل الاجتماعى ومقالات الصحف حول حقيقة رواتب ومكافآت العاملين عليها، وفى هذا يُقال الكثير دون صد أو رد من القائمين على هذه الحملات.

جَت من جابر نصار، ولم تأتِ من الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، والأزهر خليق بالشفافية، ولم تأتِ من الدكتور مجدى يعقوب، وهو عنوان عريض للنزاهة، ولم تأتِ من الدكتور عمرو عزت سلامة، رئيس مجلس أمناء مستشفى 57، وهو المستشفى الرائد فى جمع التبرعات، ولدى القائمين عليه سبل متطورة، تجعل من المستشفى نموذجاً فى هذا المجال الخيرى.

ناشدت فى مقال، فى 16 يونيو الماضى، بعنوان: «كشف حساب»، هذه المؤسسات الثلاث تحديدا بالإعلان عن حجم التبرعات، وحجم النفقات لجمع هذه التبرعات، وكم بكم يجلب كم، وأوجه الإنفاق ومصارفها، وجهات الرقابة الحكومية والشعبية عليها.

ولكن يبدو أن المؤسسات الثلاث البازغة فى جمع التبرعات كانت فى خضم الحملة الرمضانية لجمع التبرعات، وهى حملة موسمية تعيش عليها طوال العام، فلم تُعِرْ ما كتبناه وكتبه غيرنا اهتماماً، ولربما رأى كبار صغار المسؤولين عن هذه الحملات أن مثل هذه الكتابات تعطل المسيرة، أو أنها نوع من القر والحسد، والأفضل الصمت، دعونا نجمع فى صمت، وننفق فى صمت، باعتبار التبرعات تدخل فى باب «الحسنة المخفية»!.

شفافية الدكتور نصار الملزمة للقائمين على حملة التبرعات العينية والنقدية فى مستشفيات جامعة القاهرة ستُحرج العاملين عليها، وبينهم مَن جمع تبرعات أضعاف أضعاف ما جمعته مستشفيات جامعة القاهرة، ولكن بالسوابق لن يحرك ساكن خارج جامعة القاهرة، لماذا لأنهم تعودوا ألا يسألوا، وإذا سُئلوا يُقال إن لدينا منظومة شفافة، ومجالس أمناء أمينة، ونحن أهل للثقة بدليل تدفق التبرعات.

لن أتحدث عن أساليب جمع التبرعات، كفانا مقالان مهمان للكاتب الكبير «وحيد حامد»، ولا أزيده حرفاً، وأتفق معه بالكلية، ولكن مخاطبة الجانب العاطفى الخيرى فى المصريين لا تغنى أبداً عن مخاطبة الجانب العقلى المحاسبى لديهم.

مش بطلبها منك صدقة أو إحسان، نطلب الشفافية لأنها حق المتبرعين، نطلبها تمتيناً لثقتنا فى هذه المؤسسات التى يقف على رأسها رموز وعمائم، هم أهل للثقة، وإذ نطلبها طوعاً من جانب هذه المؤسسات إعمالاً لمبدأ الشفافية، وقطعاً للطريق على طائفة من المشككين، فإن تلكؤ هذه المؤسسات، أو تصدير الطناش، أو «خليهم يتسلوا»، يستلزم تحركاً عاجلاً من وزارة التضامن لمراجعة هذه الحسابات المخفية، وإعلان الميزانيات على الرأى العام، وهذا فى سلطان الحكومة باعتبار هذه المؤسسات تخضع لسلطان القانون، وتحويل المؤسسة الممتنعة عن الإفصاح إلى القضاء، وعزل الإدارة المخاتلة، وإدارتها حكومياً كما حدث مع مؤسسات الإخوان.

وبالمناسبة بعض هذه المؤسسات تحوم من حولها شكوك إخوانية، وسبق أن تناولناها فى رمضان الماضى، ولم نتلق سوى نفى وتباكٍ لا يُسمن ولا يُغنى عن حقيقة، وتسيير حملات صحفية ممنهجة لوصم كل مَن يتساءل بأنه مَنَّاع للخير معتدٍ أثيم، وما كنا إلا مساهمين بكل الجهد والحب فى حملات الخير، ولكن هذه نقرة وتلك نقرة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف