عباس الطرابيلى
خافوا منه حياً.. وميتاً!!
.. ونعود إلى نفس السؤال: لماذا يحن المصريون للعصر الملكى..
هل لأن المصرى يرفض الظلم.. ومن مأثوراته: يا بخت من بات مظلوم وماباتش ظالم.. حتى ولو تنبه الناس - ولو متأخراً - إلى الظلم الذى لحق بأسرة محمد على.. أم لأنه اكتشف أن الآلة الإعلامية التى سيطرت عليها ثورة يوليو جنّدت كل إمكانياتها وكانت أقوى آلة إعلامية فى المنطقة كلها للإساءة إلى العصر الملكى، واستغلت فساد بعض مظاهره لضرب كل ما سبق هذا العصر.. وأن الثورة جاءت لتغيير الأوضاع إلى الأفضل، وهذا وضح حتى من البيان الأول الذى أعلنته «حركة الجيش المباركة» وكان هذا هو اسم الثورة الأول.. وهو البيان التى أذاعته الحركة على الشعب صباح 23 يوليو.
حقيقة كانت هناك مظاهر من فساد العصر الملكى.. ولكن دلونى على نظام واحد ليس فيه مثل هذا الفساد.. وعندما وجد الثوار - الضباط الأحرار الأحد عشر كوكباً - أو الأحد عشر ملكاً الذين استولوا على السلطة.. وبعد أن أسقطوا ملكاً واحداً فوجئنا بأنهم أصبحوا أحد عشر ملكاً.. أقول بعد أن وجد قادة الثورة تجاوباً من المصريين، الذين كانوا يأملون فى التغيير لتحسين الأوضاع، تمادت الثورة.. ونجحت فى إقناع كبار الإعلاميين بمبادئ الثورة.. التى لم يتحقق ربعها ومنها مثلاً فشلها فى إقامة حياة برلمانية ديمقراطية.. بل أيضاً ما تحدث عنه هذا البيان الأول من إنشاء جيش وطنى قوى.. فإن مصر مُنيت بهزيمتين عسكريتين الأولى عام 1956.. وما نتج عنها من فوز سياسى.. وهزيمة ثانية رهيبة فى يونيو 1967 رغم ما قيل عن مخططات الغرب لضرب مصر إلا أننا مازلنا حتى الآن نعانى من هزيمة 67 هذه، وأبرزها احتلال سيناء كلها وتخصيص كل مواردنا لتحريرها.. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
وعن الظلم الذى وقع لأسرة محمد على نقول إن ليس كل ملوكها كانوا من الشياطين، ومنهم عباس الأول.. وتوفيق وفترة من حكم فؤاد الأول، ولكن منهم من قدم خدمات عظيمة لمصر بداية من رأس الأسرة محمد على باشا المؤسس الحقيقى لمصر الحديثة، ثم ابنه البطل إبراهيم باشا الذى «أذل» تركيا العثمانية حتى مات سلطانهم حسرة بسبب انتصارات إبراهيم بجيشه المصرى - الوطنى من الفلاحين - على الجيش التركى الذى كان يقوده واحد من أكبر العسكريين الألمان وهو فون مولتكه، ثم الخديو إسماعيل صاحب النهضة الثانية.. والخديو عباس حلمى الثانى الذى عرفت مصر فى عهده أول جامعة، ومعظم الإنشاءات العصرية من خزان أسوان إلى القناطر إلى دار الكتب ومعظم الجمعيات العلمية التى كانت تنافس الأوروبية بشدة.. إلى كل الكبارى المعدنية الكبرى «عباس وأبوالعلا والملك الصالح والزمالك ومحمد على توفيق».. بل نشوء الثورة على يد مصطفى كامل، الذى سلم الراية إلى سعد زغلول فى ثورة 19.
ولا ننكر هنا دور آخر أبناء الخديو إسماعيل، وهو السلطان ثم الملك فيما بعد، أحمد فؤاد الأول، الذى كان أول رئيس للجامعة المصرية حتى وهو مجرد أمير، ولكن فى عهده عرفت مصر تحديث دستورها.. وأصبحت مملكة مستقلة.. وهكذا.
■ ■ ولا ننسى أن ثورة يوليو كانت تخشى ابنه الملك فاروق.. وكانت مرعوبة من احتمالات قيامه بعمل ما يمكن أن يعيده إلى عرش مصر.. ورغم ما يشاع، أن رجال الثورة قاموا بقتله حتى يطمئنوا إلى عدم تآمره على الثورة، وكافأوا من دس له السم - وهو أحد الضباط الأحرار واسمه إبراهيم بغدادى - فعينوه محافظاً لأكثر من محافظة، والطريق أن عبدالناصر رفض فى البداية السماح بدفن الملك فاروق فى مسجد الرفاعى مع والده وبعض أجداده.. ثم سمح بعودة جثمانه إلى مصر ليدفن فى حوش الباشا فى الإمام الشافعى، وتحت أقدام جثمان جده إبراهيم باشا، وفى ليلة مظلمة ودون أى مراسم وداع.. وكأنها كانت تخشاه حياً، حتى قتلته، وظلت تخشاه حتى بعد أن قتلته، ولم يسمح بتنفيذ وصيته بالدفن مع أجداده، إلا الرئيس السادات ليستقر جثمانه فى مسجد الرفاعى الذى أنشأته جدته خوشيار هانم، حرم إسماعيل.
■ ■ الآن.. يتردد السؤال: هل فعلاً تم ظلم أسرة محمد على؟.. أقول نعم، وبالفُم المليان، ولا ننسى أننا كنا نهتف ضده ونسبّه علناً وهو ما كان مستحيلاً أن يتم فى العهد الناصرى، وربما يحن الناس الآن إلى الاستقرار الذى عاشته مصر تحت حكم هذه الأسرة وإلى الخدمات التى كانت متوفرة.. وأن قوة الاقتصاد المصرى.. وهذه وغيرها يحن المصريون لها، بعد ما عانوه فى السنوات الأخيرة.