المساء
محمد جبريل
ع البحري .. 23 يوليو
يصف الفنان في قصة حب ليوسف إدريس ملامح الناس - في الفترة القليلة التي سبقت قيام ثورة يوليو - بأنها كانت حادة صارمة. كأن بريقها ¢شرر رغبات كامنة تتحرر. وانطلاق ثورة¢. أما الأصوات فهي أشبه بــ ¢حفيف مظاهرات. أو جئير إضرابات¢. ولها رائحة خاصة ينتفض لها الجسد كرائحة فوهة بندقية حديثة الاطلاق. ويعترف حسين شاكر باشا في رواية إحسان عبد القدوس ¢شيء في صدري¢ - فيما بعد - انه في غمار جنونه قد سد أذنيه عن أصوات تنبعث من الشارع. أصوات كالزئير تعلو رءوس ناس لا أعرفهم. ناس فقراء. ناس يقتربون وفي أيديهم هراوات ليطاردوا بها الكلب المسعور. ويقول حلمي في رواية السحار ¢الحصاد¢ لأبيه: أعتقد أن شيئا ما سيقع. فلا أظن أن المظاهرات التي هتفت بسقوط فيفي وحافظ عفيفي. والشتائم القاذعة المكتوبة علي الحوائط في كل الأحياء التي تنعت الملك وأمه بأقبح الصفات. وهذه التطورات السريعة التي نعيشها الآن ليس لها دلالتها. أحس أن شيئا هاما. لا أدري ما هو. ستتمخض عنها الأيام القادمة¢.
الغريب أن الملك كان له - كما أثبتت محاكمات الثورة - معاونوه الذين ينقلون إليه كل ما يحدث ضده في الجامعة. وفي المدارس. وكانت الصحف الأجنبية التي تهاجمه تواجه المصادرة في المطار. ولا تدخل البلاد. وإن تبع ذلك تقارير بما تضمنته من مواد. صارت اللعنات تنصب علي الملك في المقاهي والأماكن العامة. وقيل إن الملك سيستأجر جنودا مرتزقة لأنه لم يعد يثق بأحد. وكان المسئول - المأمور أو العمدة - الذي يريد أن يكيد لأحد الأهالي. يدس في جيبه - بواسطة أعوانه - منشورات ضد الملك. وهو لا يدري.
سأل حسين باشا شاكر في رواية عبد القدوس: من الذي يحرك الشارع؟ ثم أجاب علي السؤال: ¢لا أحد يدري. إن في الشارع جمعيات سياسية كثيرة. وأحزابا صغيرة. ونقابات. وهيئات. وشيئا اسمه ¢الهيئة العليا للعمال والطلبة¢ وجماعات إرهابية تغتال. وتطلق الرصاص. وتقذف القنابل.. إن الشارع يقوده وعي. وعي لا يتمثل في شخص واحد. ولا في هيئة واحدة. وعي فطري أثارته كتابات الصحف. ومزايداتها الوطنية. والفساد الجاهل في أداة الحكم. وضيق الناس وفقرهم¢.
وفي صباح 22 يوليو. كتب كامل الشناوي في عموده اليومي ¢وجهة نظر¢: ¢تروي الأساطير ان ديوجنيس حكيم اليونان. خرج من داره يوما. وفي يده مصباح. وظل يطوف بشوارع أثينا. باحثا عن شيء. ودهش أهل أثينا عندما رأوا حكيمهم يحمل المصباح في ضوء النهار. والشمس مشرقة. وسألوه: ماذا تصنع يا ديوجنيس؟. أجاب: أبحث عن رجل.
أضاف الشناوي: ¢مصر تحمل مصباحها في يدها ليل نهار. تنقب عن رجل.. لكن المصباح سينضب زيته. وينطفئ. قبل أن تجد مصر رجلها. إنها تبحث عنه بين طائفة من الساسة تجاوزوا مرحلة الرجولة. وعبثا تحاول أن تعيدهم إلي هذه المرحلة. لتدع مصر مصباحها. ولتبحث بلا مصباح في صفوف الشعب عن الرجل الذي تنشده¢. ولا تخلو قصة الخادم - التي نشرت صبيحة 23 يوليو 1952 - من دلالة. لم يكن الفنان - حين كتب قصته - يدري أنه في صبيحة اليوم الذي تنشر فيه قصته ستتحقق الثورة التي أشارت إليها القصة. هنداوي. ابن القرية. يعود من المدينة إلي قريته. ليقود أبناءها في ثورة ضد العمدة ومظالمه. إرهاص مؤكد بالثورة الوشيكة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف