المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
المتغطى بأمريكا.. عريان!
سواء تأكدت أم لا، أخبار مساعدة أمريكا للرئيس التركى رجب أردوغان فى التصدى لقوات الانقلاب يوم الجمعة الماضى، إلا أن المؤكد أنها فضلت الانتظار حتى تتضح الصورة.. لكى تأخذ قرارها بمساعدة أردوغان، أو التخلى عنه، وحتى ما قيل إن أوباما نصح أردوغان باللجوء إلى القوات الجوية الأمريكية المتمركزة فى قاعدة أنجرليك الجوية، جنوب شرق البلاد، إلا أن المرجح أن طائرات الـ«إف 15 الأمريكية»، انطلقت من هذه القاعدة وتصدت لقوات الانقلاب، سواء كانت هليكوبتر أو حتى مقاتلات نفاثة.. بل قيل إن طائرات أمريكا هذه هى التى أسقطت الهليكوبتر الانقلابية، التى كانت تقصف مقر البرلمان فى أنقرة، ومقر المخابرات التركية، وأيضاً التليفزيون الرسمى التركى.
ولكن المؤكد أن أمريكا رأت عدم إعلان موقفها فور بدء الانقلاب مساء يوم الجمعة الماضى.. وتركت الرئيس التركى يواجه مصيره بنفسه، وهذا الموقف السلبى من أمريكا لواحدة من أكبر حلفائها فى الشرق الأوسط يعيد إلى الذاكرة نفس ما حدث فى إيران - عقب انقلاب الخمينى على الشاه.. واضطراره للهرب بأسرته طلباً للنجاة.. ولكن أمريكا رفضت منح الشاه حق اللجوء السياسى فى أراضيها، وهكذا فعلت أكثر من دولة أخرى بعد أن عرفت أن واشنطن رفضت منحه حق اللجوء.. إلى أن ظهرت الشهامة المصرية المتمثلة فى الرئيس أنور السادات واستضافه فى مصر معززاً مكرماً.. وعندما توفى الشاه أقام له الرئيس السادات جنازة عسكرية وتم دفنه فى مسجد الرفاعى، وهو نفس المسجد الذى سبق أن دُفن فيه والده الشاه رضا بهلوى فى الأربعينيات.

ويثير الموقف الأمريكى من تركيا ما أثاره موقفها من شاه إيران.. إذ قامت سياسة واشنطن، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على مساعدة إيران وتركيا معاً ليكوّنا - بهذا الجيش القوى - حائط صد ضد الاتحاد السوفيتى.. وقيل أيامها إن الجيش الإيرانى والجيش التركى أصبحا أقوى قوة عسكرية فى الشرق الأوسط لتنفيذ مخطط أمريكا فى محاصرة الاتحاد السوفيتى - من ناحية الجنوب - يساعدهما فى ذلك الجيش الباكستانى، وبالمناسبة كانت الدول الثلاث - باكستان وإيران وتركيا - أهم الدول التى أقامت حلف بغداد فى أوائل الخمسينيات، والذى حمل اسم «الحلف المركزى» بعد ثورة العراق يوليو 1958 وانسحابها من الحلف.

المهم أن تخلّى واشنطن عن تركيا - فى الأيام الأخيرة - هو نفس السيناريو الذى تخلت فيه واشنطن عن إيران.. وباكستان.. وأخيراً تركيا.. فليست هناك صداقة دائمة.. ولا عداوة دائمة.. ولكن هناك مصالح دائمة.. وحتى موقف واشنطن من جمهوريات الموز فى أمريكا الوسطى، وما هو جنوبها فى أمريكا الجنوبية يؤكد أن المصلحة الآنية «أى الحالية» لواشنطن هى التى تحرك أمريكا.. رغم وجود مبدأ مونرو من عام 1823 الذى يضفى على قارتى أمريكا - وما بينهما - نوعاً من الحماية، التى تمنع توغل أى قوى من خارجها داخل إحدى هذه الدول.. أقول إن واشنطن كثيراً ما تخلت عن حلفائها فى نصف الكرة الغربى.. فمن كان حليفاً لها فترة يمكن أن تنقلب عليه، وكله حسب مصالحها.

فهل يا ترى تعاملت واشنطن مع تركيا - أردوغان بنفس المنطق، ولذلك تأخرت فى إعلان دعمها لرجب طيب أردوغان.. إلى أن تتضح الصورة.. ولم تتحرك إلا بعد أن ظهر أن أردوغان فى طريقه إلى السيطرة على الأمور، وذلك مساء اليوم التالى من الانقلاب، أى يوم السبت؟!

■ ■ على كل حال.. ما يهمنا هنا - بعد أن نتعظ من الموقف الأمريكى - هو هذا السلوك الانتقامى شديد البشاعة الذى لم يتوقف عند حد اعتقال العسكريين المشاركين، بل تعداه إلى الآلاف من القضاة ومن المحافظين.. وكبار المسؤولين.. وهذا ما جعل البعض يتحدث عن أصابع أردوغان نفسه، وأنه عمد إلى ذلك ليجد الفرصة لتصفية أعدائه ومعارضيه. وما أكثرهم، سياسيين أو رسميين، أو حتى خلايا نائمة من معارضيه.

■ ■ ولكن القضية هى أن الرجل يكاد يحكم قبضته على كل شىء فى تركيا ليصبح فعلاً مشروع سلطان مستبد، من السلاطين الذين ساموا شعوبهم المرارة والعلقم، ليس فى مقر الدولة - فى آسيا الصغرى فقط - بل فى كل الولايات التى كانت تتكون منها السلطة العثمانية فى عصرها الإمبراطورى.

■ ■ ومازال موقف واشنطن غامضاً رغم مضى أيام على المحاولة.. فهل سوف تنتفض واشنطن للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وهى ترى أن تركيا فى طريقها الفعلى نحو نشأة ديكتاتورية جديدة فى المنطقة؟!

حقاً.. غريب موقف أمريكا.. رغم أنها تدعى - الآن - أنها حامية الديمقراطية فى العالم!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف