مؤمن الهباء
نصاب القرن.. خبير استراتيجي
حيرتني كثيراً ظاهرة الخبراء الاستراتيجيين والسياسيين ورؤساء المراكز البحثية الذين امتلأت بهم شاشات الفضائيات.. يحملون ألقاباً فخيمة ويتحدثون في كل شيء.. ولديهم إجابات جاهزة وقاطعة في كل القضايا.. لكنهم يتأبطون الجهل ويثيرون الغثيان وهم يتحدثون.. ويفضحون أنفسهم بالمفردات التي يستخدمونها.. وطريقة عرض أفكارهم.. والاسلوب الركيك الذي يكشف سطحيتهم.. ناهيك عن اليقين الساذج الذي يحسمون به كل الملفات.
حاولت أن أجد تفسيراً لتلك الظاهرة المريبة التي صاحبت ثورة 25 يناير ثم تصاعدت وانتشرت حتي صار هؤلاء الخبراء يقدمون في كل البرامج الإعلامية مثل النجوم.. نجوم الكرة ونجوم التمثيل.. ليتكلموا في كل وقت.. ويدلوا في كل قضية مثارة.. وحاولت أكثر أن أبحث عن الجهة. أو الجهات. التي أطلقت هؤلاء القوم علينا.. لكني - للأسف - لم أجد إجابة مقنعة.
ظلت حيرتي تلازمني.. وظلت أسئلتي مطروحة.. حتي وقعت في عدد جريدة "الجمهورية" يوم الخميس 2 يونيه الماضي علي تقرير لافت جداً للنظر بعنوان "نصاب القرن" كتبه الزميل خالد أمين جعلني أنظر لحيرتي وأسئلتي من زاوية جديدة ومختلفة ربما تفسر الظاهرة.
يقول ملخص التقرير إن الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة أعلنت عن كشف واحدة من أخطر قضايا النصب.. حيث ألقت القبض علي شخص زعم أنه مسئول سابق بإحدي الجهات السيادية وانتحل صفة أستاذ جامعي في تكنولوجيا المعلومات.. وقام بكتابة مقالات ببعض الصحف.. وكان يظهر بهذه الصفة في التليفزيون المصري وبعض الفضائيات.. ثم تبين أنه لا يحمل سوي شهادة دبلوم تجارة.
ولم يكتف المتهم بما سبق.. وإنما قام بإنشاء منظمة وهمية باسم "المجلس العربي الأفريقي الدولي" علي شبكة الإنترنت.. وأقام حفلات تكريم سلم خلالها شخصيات بارزة ومشهورة شهادات دكتوراه فخرية منسوبة لإحدي الجامعات الأمريكية.. كما قام بعقد ندوات علمية وتدريبية في الفنادق الكبري نظير مبالغ مالية تقدم لمنظمته علي سبيل التبرع.. وعندما تم ضبط النصاب داخل مسكنه بالمعادي عثر معه علي عدد كبير من شهادات الدكتوراه الفخرية المزورة وكروت للدعوات عليها شعار جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وكمية من الحوالات البريدية باسمه وشهادة تقدير منسوبة لمركز حقوق الإنسان تفيد منحه وسام الاستحقاق والتقدير نظراً لدوره في نشر السلام وحقوق الإنسان وخدمة المجتمع والوطن.
وعندما جري مناقشة النصاب أقر بأنه حاصل فقط علي دبلوم تجارة ولم يحصل علي شهادة دراسية أخري.. وأنه استطاع أن يوهم ضحايا بأنه دكتور وخبير في شئون الأمن والسياسة وتكنولوجيا المعلومات والاستراتيجية بكل سهولة.. ويحصل منهم علي الأموال التي يطلبها.
والآن..
هل من المهم أن نعرف اسم وهوية هذا الخبير المزيف.. نصاب القرن؟!
لم تشأ "الجمهورية" أن تكشف عن اسمه رغم أنها نشرت صورة له أمام المضبوطات بعد أن طمست عينيه.. ويبدو أنها أرادت أن تقول إن نصاب القرن قد صار بهذه المواصفات.. وأن ما قدمته مجرد نموذج متكرر في هذا الزمن.
الغريب أن "الجمهورية" لم تقدم لنا أية معلومات عما حدث مع نصاب القرن منذ 2 يونيه الماضي وحتي الآن.. وهل قدم للمحاكمة أم أطلق سراحه كي يمارس علينا لعب الخبراء؟!