(١) تولى الدكتور عبدالغزالى (رحمه الله) مسئولية القسم السياسى لجماعة الإخوان عقب خروجه من سجن ملحق مزرعة طرة فى منتصف مارس ١٩٩٩، بعد أن قضى فيه ٣ سنوات فى القضية المعروفة بحزب الوسط، وقد استمر مسئولاً عن القسم حتى عام ٢٠٠٣.. لم يكن أداؤه بالشكل المرضى، على الأقل بالنسبة لمأمون الهضيبى، المرشد العام آنذاك، الذى بدأ يبحث عن بديل له.. كان يأمل فى إسناد هذا الموقع للدكتور عصام العريان لقدراته وكفاءاته العالية، من حيث الثقافة الموسوعية، والذاكرة الحاضرة، وشبكة العلاقات القوية مع معظم -إن لم يكن كل- الوسائط الإعلامية، فضلاً عن الفصاحة والبيان.. لذا، فقد شكل لجنة ثلاثية من: محمد حبيب، محمد عبدالله الخطيب، وجمعة أمين، لدراسة هذا الأمر وترشيح شخصية مناسبة.. ولما كان الأخوان «الخطيب» و«أمين» لا يرتاحان إلى العريان، فقد انصرف ذهنهما إلى الدكتور مرسى، مسئول الكتلة البرلمانية آنذاك.. طرحت عليهما اسم الدكتور عصام العريان، فرفضا بشدة.. وتم رفع تقرير اللجنة إلى المستشار الهضيبى، وعندما التقانى بادرنى بقوله (مستنكراً): ما هذا الذى فعلتموه؟ أتقدمون محمد مرسى على عصام العريان؟ شرحت له ما كان، وأنه كمرشد له أن يعيد التقرير إلى اللجنة للدراسة، لكنى كنت واثقاً من أنه لن يكون هناك جديد، فاضطر «الهضيبى» لقبول الوضع.. كان القسم السياسى يتكون من ٣ وحدات رئيسية، الوحدة السياسية، والوحدة الاقتصادية، والوحدة الإعلامية.. وقد اهتم الدكتور «مرسى» بالوحدة السياسية، مركزياً ولا مركزياً، بينما لم تنل الوحدتان الأخريان -رغم أهميتهما- أى اهتمام.. مع ذلك لم تكن الوحدة السياسية على المستوى الذى يليق بجماعة الإخوان، ربما لطبيعة الرجل المنكفئة على التنظيم من ناحية، وعدم قدرته على الانفتاح والتواصل مع الأحزاب والقوى السياسية من ناحية أخرى.
(٢) كان الدكتور محمد مرسى يمثل نموذجاً للسمع والطاعة داخل الإخوان، لكن بشكل ومذاق وطعم خاص، بمعنى: لمن يكون السمع والطاعة، هل للمسئول المباشر، أم للمرشد، أم لمن بيده السلطة الحقيقية، أم لهؤلاء جميعاً؟ الحقيقة أن الرجل كان يسمع ويطيع لصاحب السلطة الحقيقية، أياً كان.. وإذا حدث أن انتقلت السلطة -ولو بطريق غير مشروع- من مسئوله المباشر إلى آخر، غيّر الرجل وجهته وتحول معها.. كان يعلم أن المرشد له مكانته -حسب موقعه- فى قلوب الإخوان، وبالتالى لا بد من إعلان السمع والطاعة له، بمناسبة أو دون مناسبة، حتى يجد لنفسه منفذاً إلى قلوب الإخوان دون أى معوقات.. بل إذا كان المرشد راضياً عن (س) أو (ص) من الإخوان، فلا بأس من التودد إليه أو إليهما، ولو فى الظاهر، لكن بحساب.. صحيح أن المرشد «عاكف» كان يميل إلى عصام العريان، لكن السلطة الحقيقية داخل الجماعة كانت لمحمود عزت الذى لم يكن على وفاق مع العريان، حيث كان يرى له أجندته الخاصة، فضلاً عن عدم انضوائه تحت لوائه، الأمر الذى جعل الدكتور مرسى حريصاً على أن ينال منه فى كل مناسبة.. وقد ساعد على هذا ما كان يتمتع به العريان من قدرات وملكات، تفوق كثيراً نظيراتها لدى الدكتور مرسى ويرى فيها تهديداً له.
(٣) فى عام ٢٠٠٥، توفى ثلاثة أعضاء من مكتب الإرشاد هم: أحمد حسانين، حسن جودة، وأبوالحمد ربيع.. ولما كانت اللائحة تقتضى اختيار أعضاء جدد عن طريق مجلس الشورى العام للجماعة، إلا أن الظروف الأمنية لم تكن تسمح بذلك، فقمنا -كأعضاء مكتب- باستعراض بعض الأسماء وتم اختيار ثلاثة من بينهم هم: صبرى عرفة الكومى، الدكتور محمد مرسى، والدكتور محمود حسين.. وبناء على ذلك تولى الدكتور محمد مرسى الإشراف على القسم السياسى، وتم تعيين الدكتور عصام العريان مسئولاً عنه.. ومن ثم، أصبح الأخير يعمل تحت إمرة الدكتور مرسى.. والغريب أن العريان لم يكن يبدى أى مقاومة أو شعور بالرفض أو حتى بالاحتجاج إزاء إهانات الدكتور مرسى له.. وإليك أيها القارئ العزيز هذه القصة المضحكة المبكية:
فى أحد الأيام من عام ٢٠٠٩ كانت هناك مشكلة فى محافظة الدقهلية تسبب فيها أحد أعضاء المكتب الإدارى، هو الطبيب حامد منصور.. كان هذا الأخير ممن يجيدون التعامل -مداهنة وتملقاً- مع رؤسائهم، سواء كانوا أعضاء مكتب إرشاد، أو رؤساء مكتب إدارى.. لكنهم، فى الوقت ذاته يسيئون التعامل -استبداداً وتسلطاً وإيذاء- مع من دونهم.. وكان يتفاخر دائماً بأنه هو الذى يسيّر العمل فى الدقهلية.. ولما كثرت الشكاوى منه، اضطر مكتب إدارى الدقهلية -بعد التحقيق- أن يتخذ موقفاً حاداً إزاءه.. المهم، أن حامد منصور استغاث بالطبيب محيى حامد الذى أبلغ الدكتور محمود عزت، الذى تحرك بدوره سريعاً إلى الدقهلية، واجتمع بأعضاء مكتبها الإدارى لكى يوقف قراره الذى اتخذه بشأن منصور، وقد كان.. لكن كانت هناك مشكلة أخرى، وهى أن حامد منصور كان على خلاف شديد وعدم انسجام مع الطبيب محمد عبدالرحمن -عضو مكتب الإرشاد والمشرف على قطاع الدقهلية- الذى كان هو الآخر على صلة جيدة مع الدكتور محمود عزت.. فما كان من الأخير إلا أن تحدث مع الدكتور مرسى لاستقدام حامد منصور وضمه للقسم السياسى الذى يشرف عليه، رغم أن منصور لا علاقة له بالسياسة من قريب أو من بعيد.. تحدث الدكتور مرسى مع أمانة القسم السياسى (عصام العريان، محمد البشلاوى، عاصم شلبى، وآخرين) بشأن ضم حامد منصور للقسم، غير أن الأمانة رفضت بإجماع.. المثير للدهشة أن الدكتور مرسى أصدر قراراً بتعيينه نائباً لمسئول القسم عصام العريان.. المثير للذهول أيضاً أن أمانة القسم قبلت هذا التعيين، وكأن شيئاً لم يكن (!) للأسف، علمت بهذه القضية بعد أن انتهت تفاصيلها، فتحدثت مع محمود عزت الذى هوّن من الأمر، وقمت باستدعاء ممثل عن مكتب إدارى الدقهلية الذى حكى لى تفاصيل مرعبة، واستدعيت حامد منصور نفسه، فلم يأت.. وتحدثت مع أمانة القسم السياسى، فلم أجد سوى عيون زائغة وألسنة عاجزة عن الكلام ووجوه مطرقة إلى الأرض.. وتكلمت مع المرشد عاكف، لكنه قام بالتغطية على الموضوع(!) (وللحديث بقية إن شاء الله).