الأهرام
عبد الرحمن سعد
نماذج عملية لخدمة الدين
تساءل مقال الأسبوع الماضي: ماذا قدمتَ لدين الله؟، واليوم نستعرض نماذج عملية للبذل للإسلام، والتقديم للدين، من حياة الصحابة الكرام، رضي الله تعالى عنهم، الذين عملوا لدين الله، حسبة له سبحانه، والتماسا للأجر والمثوبة منه.
هذا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، شرح الله صدره للإسلام، فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وعلى الفور شعر بمسئوليته تجاه هذا الدين، فانطلق مباشرة للعمل له، والدعوة إلى الله، في كل حركة، وسكنة.

وهذا "الطفيل بن عمرو الدوسي، رضي الله عنه، أتى إلى مكة؛ لاستبصار أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، فلمَّا سمع منه أسلم، فأرسله الرسول، صلى الله عليه وسلم، داعيا إلى قومه، فهداهم الله للإسلام، وكان من بينهم راوية الإسلام العظيم: أبو هريرة، رضي الله عنه، الذي يجييء يوم القيامة في ميزان "الطفيل".

وهذا "نُعَيْمُ بن مسعود"، رضي الله عنه، جاء إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي، فَمُرْنِي أَمْرَكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خَدْعَةٌ".

فانطلق نُعَيْمُ حتى أتى قريظة، وكان لهم نديما في الجاهلية، فأغرى هؤلاء بأولئك، وأقنع اليهود بأن قريشا وغطفان ستتركهم وحدهم في المعركة، وسينفرد بهم محمد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقنعهم بأن يطالبوهم بتسليم بعض أبنائهم رهينة عندهم، كما أقنع قريشا بأن اليهود ينوون الصلح مع محمد، وسيغدرون بهم ثم، يطلبون منهم بعض أبنائهم ليسلموهم إليه.

وقد كان، ووقعت الفتنة بين الطرفين، وخذَّل الله بينهم، وبعث عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد.

ذلك قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَاۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا".(الأحزاب:9).. إلى قوله تعالى: "وزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا".(11)، فجعلت الريح العاتية تكفأ قدورهم، وتطيح أبنيتهم.

وهذا "أبو محجن الثقفي"، كان قد ابتلى بإدمانه شرب الخمر، وأُتى به في معركة القادسية لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص، فأمر بأن يمنعه من المشاركة في المعركة، وأن يقيد حتى تنتهي المعركة، لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو.

وبدأت المعركة، وفُتحت أبواب الجنة لاستقبال أرواح الشهداء، وهنا احترق قلب "أبو محجن" من عدم المشاركة في نُصرة دين الله، ونادى على "سلمى"، زوجة سعد بن أبي وقاص، وقال: هل لك إلى خير؟ فقالت: وماذا لك؟ قال: أن تخلي عني، وتعيرني البلقاء (فرس سعد)، فلله عليَّ إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي".

فأبت، فبكى، ونظم شعرا، فرقت له، فأطلقته، وأعطته البلقاء، فركبها، وقاتل الفرس بجدارة، حتى إن سعدا، الذي جلس في عرش فوق مكان مرتفع، ليراقب سير المعركة، قال: "والله.. لولا أني أعلم أن أبا محجن في القيد لقلت إن هذا الفارس هو أبو محجن، ولولا أني أعلم أن البلقاء في مكانها لظننت أنها البلقاء"، فردت عليه زوجته: "نعم.. إنه أبو محجن، وإنها البلقاء".

وحكت له ما كان، فلما انتهت المعركة، دخل سعد على أبي محجن في موقعه بسجنه، فوجده، وقد وضع القيد في قدميه مرة أخرى، فبكى، ورق لحاله، وقال له: "قم أبا محجن"، ثم فك القيد عن قدميه بيديه، ثم قال له: "والله.. لا أجلدك بعدها أبدا".

فنظر إليه أبو محجن، قائلا: "وأنا، والله، لا أشرب الخمر بعد اليوم أبدا". وصدق مع الله، ولم يشربها أبدا. (قصة صحيحة الإسناد، أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف