الأهرام
سامى شرف
ثورة يوليو وخدمة قضايا المجتمع
لقد حاولت ثورة يوليو منذ اللحظة الأولى إزالة العقبات التى كانت تحول دون المساهمة الجادة لرأس المال الخاص وطنيا كان أم أجنبيا بعد أن قضت على الصيغ الإقطاعية والاحتكارية فى الوقت الذى كانت تبذل جهودها لإزالة ما ظل عالقا بالاستقلال السياسى من شوائب.

وفقا للتوصيات التى قدمها خبراء الأمم المتحدة وفى مقدمتها التوصيات التى صاغها مجموعة من أساتذة الاقتصاد ضمت آرثر لويس أستاذ الاقتصاد فى جامعة مانشستر البريطانية والبروفيسور تيودور شولتز من جامعة شيكاغو ومعهما أستاذان من الهند وشيلى وكانت أولى التوصيات التى قدمتها هذه اللجنة تحت عنوان «إجراءات التنمية الاقتصادية للدول المتخلفة» هى الحث على دور كبير للدولة يبدأ بإنشاء قطاع عام قوى لاسيما فى مجالات ذات أهمية محورية لدفع التنمية التى يعجز القطاع الخاص الناشىء على توليها، فأنشيء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى فى اكتوبر1952 بموجب القانون رقم 213 لسنة1952 كهيئة مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء المصرى.

كانت مهمة المجلس بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية التى يكون من شأنها تنمية الإنتاج القومى وأن يضع فيما لا يتجاوز عاما واحدا برنامجا اقتصاديا للتنمية يتوخى تقديم المشروعات الأكثر إنتاجا والأيسر تنفيذا والأقل تكلفة لينفذ على مراحل سنوية أقصاها ثلاث سنوات ويشرف المجلس على تنفيذ المشروعات والبرامج بعد إقرار مجلس الوزراء كما حررت إجراءاته من القواعد الروتينية0

قام المجلس بدور هام فى مختلف مشروعات التنمية التى تمت خلال السنوات الخمس الأولى للثورة فى مجالات الرى والتوسع الزراعى وتكرير البترول وأنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات ودراسة مبدئية لمشروع السد العالى ووضع مشروعات الحديد والصلب ومصنع السماد وكهربة خزان أسوان والكابلات والورق والبطاريات والإطارات والخزف والصينى وغيرها .

واستحدثت الثورة مبدأ جديدا هو تخصيص نسبة مئوية من نفقات المشروعات للأبحاث والدراسات التى تم منها على سبيل المثال، حصر وتقويم الاحتياجات والموارد الصناعية – أبحاث الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضى –صناعة السيارات – صوامع الغلال – المقننات المائية – الصرف – زيوت التشحيم –الحوض الجاف والترسانة البحرية – صناعة الورق – كهربة مصر كلها على مدى عشرين عاما.

وحدث متوازيا مع هذه الأمور كلها توسع كبير فى المصانع الحربية المملوكة بالكامل للدولة والتى دخلت فيما بعد ميادين الإنتاج المدنى كذلك، ولقد كانت تلك المصانع مدرسة جامعة للكوادر الفنية والإدارية المنتجة حتى اليوم.

لتفادى التضارب والإسراف والتعارض ولتوفير الجهد والمال ولتعظيم العائد صدر قرار مجلس الوزراء فى 31 ديسمبر1952 يستهدف إنشاء إدارة للتخطيط والتنسيق وأشير فى القرار إلى أن نظام التخطيط والتنسيق تأخذ به الآن كل الدول المتقدمة على اختلاف مذاهبها السياسية وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية – ثم أنشئت اللجنة العليا للتخطيط والتنسيق برئاسة رئيس مجلس الوزراء أو من ينوب عنه وتضم وزير المالية ومقررى اللجان الوزارية للتخطيط وممثلى وزارات الخارجية والحربية والبحرية والإرشاد القومى وثلاثة أعضاء من مجلس الإنتاج – ولها أن تضم مراقبين أو خبراء خارجيين وتعمل فى مجالات أربعة: شئون الميزانية والمالية. وشئون الإدارة العامة لتحسين الإدارة الحكومية المنفذة ورفع مستوى الكفاية الإدارية. وشئون التخطيط لفحص المشروعات والتنسيق بينها ومتابعة التنفيذ وإعداد الخبراء. والتعبئة العلمية.

كل هذا يعنى تعبئة القدرات العلمية والفنية وتوجيهها نحو الإسهام فى خدمة قضايا التنمية والربط بين البحث العلمى والاحتياجات التطبيقية ووضع أهل الخبرة فى خدمة قضايا الدول. وعندما اتسع نشاط الخدمات صدر يوم 17 اكتوبر1953 القانون رقم493لسنة 1953 بإنشاء المجلس الدائم للخدمات ليشرف ويرعى النهوض الإجتماعى ويربط بينه وبين برامج التنمية الاقتصادية وكان من اختصاصه السياسة العامة ووضع الخطط الرئيسية للتعليم والصحة والعمران والشئون الاجتماعية والقوى البشرية .

ولقد كانت إدارة التعبئة العامة والإحصاء ( تتبع وزارة الحربية ) –كان لها مندوبين فى كل من مجلس الإنتاج ومجلس الخدمات مما أفاد فى تمكين هذه الإدارة من جمع المعلومات وإجراء الدراسات المتعلقة بقناة السويس حتى يمكن الاستعداد لتأميمها دون لفت الأنظار وهو ما سأتعرض له تقصيلا فى فصل آخر .

كان من أهم أدوات التنسيق فى قطاع الخدمات الوحدات المجمعة التى راعت تكامل الخدمات فى التجمعات السكانية فى الريف فضلا عن حفزها الشباب للعمل فى الريف مع تغطية أوجه النقص فى مجالات هامة كمكافحة الدرن والأمراض المتوطنة ( الإنكلستوما والبلهارسيا ) وتوفير مياه الشرب فى الريف وبناء المساكن والمستشفيات.. الخ.

قامت المؤسسة الاقتصادية فى غمرة أحداث هامة ترتبت على خوض الثورة معركة الاستقلال الاقتصادى سواء باسترداد ملكية قناة السويس فى أكبر وأخطر معركة تأميم لرأس المال الأجنبى تخوضها دولة نامية والإصرار على تنفيذ مشروع حيوى للنهوض بالقاعدة الإنتاجية الزراعية والصناعية وهو السد العالى الذى درسه مجلس الإنتاج وأبدى البنك الدولى استعداده لتمويله وكان هذا مكملا للمواقف الصلبة فى وجه الاستعمار سواء برفض حلف بغداد وسياسة الأحلاف عموما أو العمل على تصفيته بدفع حركة عدم الانحياز فى مؤتمر باندونج سنة1955، وهكذا اتضح بجلاء أن رأس المال الأجنبى لم يكن فقط مترددا أو يعانى من ندرة بل هو مضاد بطبيعته للتحرر الاقتصادى فالبنك الأهلى كان قائما بأعمال البنك المركزى، غير أن سيطرة المصالح الأجنبية عليه جعلته يحجم عن إحدى أهم وظائفه وهى إقراض الحكومة.

لذلك أصدرت الحكومة المصرية فى ربيع 1955 قانونا يلزمه بأن يضع تحت تصرف الحكومة ما فى حوزته من نقد أجنبى ، ولم تكن الرأسمالية المحلية أقل تعنتا فى التعامل مع الدولة فى توجهها نحو التنمية على الرغم من القرارات التى استهدفت تشجيعها وكان أحمد عبود باشا يؤكد سطوته بالتخلف عن دفع الضرائب فقامت الحكومة بفرض الحراسة على شركتى السكر والتقطير وأعيد تنظيم الشركتين فى شركة واحدة تمتلك الحكومة 50% من رأسمالها، غير أن المواجهة الصريحة مع رأس المال الأجنبى جاءت فى سنة1956 مع العدوان الثلاثى حيث رفضت البنوك تمويل القطن وما أن انسحبت قوى العدوان حتى أعلنت الثورة قوانين التمصير التى شملت البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد وهكذا وجدت الثورة نفسها فجأة مسئولة عن عدد من المنشآت الاقتصادية وبناء عليه صدر قانون إنشاء المؤسسة الاقتصادية.

لم تكن نشأة القطاع العام، كما يردد البعض، على حساب رأس المال الوطنى بل من خلال استثمار عام ومن خلال استرداد الشعب حقوقا اغتصبها الأجانب والمتمصرون نتيجة سوء تصرف ولاة الأمور فى مصر، وفى ظل امتيازات أجنبية أعفتهم من دفع الضرائب التى كان يتوجب دفعها من أجل إقامة المرافق التى مولها الفلاح المصرى الذى اغتصبت حقوقه.

واستمرت الدعوة لرأس المال الوطنى والمحلى للإسهام فى التنمية، ولكنها كانت دعوة من جانب واحد لم يقابلها استجابة بل توقف النشاط الخاص عن أعمال الصيانة وزاد أن حاول البعض بطرق غير مشروعة تهريب رؤوس أموالهم للخارج مما ترتب عليه صدور القرارين فى 13 فبراير1960 بتأميم البنك الأهلى وبنك مصر وهو ما أتاح للثورة السيطرة على شركات كانت تتولى 20بالمئة من الإنتاج الصناعى رغم بقاء ما يسهم به الأفراد فى تلك الشركات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف