الوطن
د. محمود خليل
الأسعار.. ومنسوب الاحتقان
بصراحة ليس فى مقدورى أن أفهم الطريقة التى يتعامل بها طارق عامر، محافظ البنك المركزى، مع مشكلة الدولار، فهو بين الحين والآخر يطلق تصريحات حول التفكير فى خفض جديد للجنيه أمام الدولار بعد قرار التخفيض السابق (112 قرشاً) خلال شهر مارس 2016. أدلى «عامر» بتصريحات أواخر شهر رمضان حملت تلميحاً بهذا المعنى، ويوم الأربعاء الماضى، وعقب حضوره إحدى جلسات مجلس النواب، صرح بما يحمل نفس المعنى أيضاً من أن خفضاً وشيكاً سيقع فيه الجنيه أمام الدولار الرسمى، بالطبع كان لهذه التصريحات صداها على «السوق السوداء» للدولار، حيث شهد ارتفاعات متتالية أمام الجنيه حتى تجاوز سعره الـ12 جنيهاً يوم الخميس الماضى.

الكثير من المحللين الاقتصاديين ردوا الارتفاعات الأخيرة فى سعر الدولار إلى تصريحات طارق عامر، وحقيقة الأمر أن تأمُّل هذا التفسير يثير الحيرة، لأن من المؤكد أن المحافظ يعلم تماماً النتائج التى ستترتب على تصريحاته، فهل أداؤه فى هذا السياق مقصود، وهل من ضمن حزمة أهداف المؤسسات الرسمية فى إصلاح الخلل فى توافر العملة الأجنبية «توليع» سعر الدولار فى السوق السوداء تمهيداً لقرار ما سيتخذه البنك المركزى قريباً فيما يتعلق بسعر الدولار؟!. المعنى فى بطن البنك المركزى وحده!، لكن فى كل الأحوال أجد أن أسلوب معالجة موضوع الدولار من خلال المناورات الإعلامية والحيل البنكية لن يغير من واقع الأمر على الأرض شيئاً، لأن أزمة الدولار تكمن ببساطة فى عدم توافره، وهى مسألة لا تتصل بأداء البنك المركزى فى حد ذاته، بل تتعلق بأداء الحكومة العاجز عن توفير العملة من المصادر التى اعتدنا عليها، سواء من خلال إعادة الحياة إلى السياحة، أو عبر جلب الاستثمارات. فقد ارتكبت الحكومة الحالية العديد من الأخطاء وأهملت فى العديد من الملفات، فسقطت فى هذه المعضلة، ولم يعد أمامها سوى التعامل الورقى مع المشكلة، بعد فشها فى التعامل الواقعى!.

والنتيجة؟!.. النتيجة يستطيع أن يحدثك عنها المواطن الذى أصبح نهباً لارتفاع الدولار، وارتفاع أسعار الفواتير على الخدمات، وأسعار العديد من السلع، بسبب خطة الحكومة فى التخفف من الدعم، وارتفاع نسب الضرائب وتنوعها، وآخرها ضريبة القيمة المضافة، وأصبح سؤال الكثيرين اليوم: «حنلاقيها منين ولا منين»؟! ثمة حقيقة آن للسلطة أن تعترف بها، هى أن مستوى رضاء المواطنين عنها ليس على ما يرام، فمنسوب الاحتقان بسبب الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار يزيد يوماً بعد يوم، والناس أصبحت فى حالة ضجر وملل، لم يعد فى مقدورهم كتمانها، وهو أمر يجب أن يتحسب له الجميع لأن النتائج التى يمكن أن تترتب على هكذا احتقان ليست فى صالح أحد، لا هى فى صالح السلطة، ولا فى صالح الشعب، ولا فى صالح حاضر هذه الدولة ولا مستقبلها. على الحكومة أن تعى ذلك، وعلى رجال الأعمال أن يستوعبوه، وعلى التجار الذين يستغلون الحالة التى نعيشها أن يتفهموه، وعلى بعض المواطنين الذين يلعبون دوراً فى إيلام بعضهم البعض أن يهضموه.. وربنا يستر!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف