هنا كينيا ، حيث الوجوه السمراء الباسمة والعيون الطيبة ترحب بالغرباء حتى قبل أن تتعرف عليهم.
السيدات زنجيات أنيقات فارعات الطول، ملابسهن (المودرن) القصيرة غاية الأنوثة، والحلى الكبيرة الملونة التى يفضلنها توحى بالثقة والكبرياء!
العاصمة نيروبى مدينة من الصفيح الملون، الفقر فيها واضح المعالم، وقد جعل من البيوت والمحال التجارية أكشاكا صغيرة من الصفيح، لكنها مصبوغة بألوان مبهجة قوية، لها (جرأة الأمل) التى تحدث عنها الرئيس الأمريكى الأسمر أوباما ، المنحدر من أصل أفريقى وأب كينى على وجه التحديد.
الفرق الشاسع بين الأثرياء والفقراء وانعدام العدالة الاجتماعية، جعلا المشى في شوارع نيروبى العاصمة خطرا على السياح والدبلوماسيين والضيوف الأجانب ،فأسهل شيء أن تتعرض للسرقة والقتل خاصة مع انتشار العصابات الصومالية في أنحاء المدينة وأطرافها، لذا لم يسمح لنا بالنزول من السيارة والتجول في الشوارع أو دخول الأسواق الشعبية إلا في أضيق الحدود، وبشرط أن يكون معنا مرافق من أهل البلد كحارس ودليل ومترجم أيضا للغة السواحيلى التى يتحدث بها الشعب الكينى، ووقت اللزوم يصبح نفس الشخص وكيلا تجاريا مهمته مساعدتنا في الشراء والفصال ودفع 20 دولارا ليس أكثر في الفيل الأبنوس الذى يريد البائع فيه 50 ألف شلن من العملة المحلية!
كانت الرحلة تضم وفدا من المستثمرين وتجار اللحوم ورجال الصناعة وكنت الصحفية الوحيدة بينهم ، لذا كانت رحلة السفارى فكرتى، ورغم أنها بدت فكرة طفولية غرائبية إلا أنهم قبلوها، ربما على سبيل المجاملة وربما احتفالا بصفقات الاستيراد والتصدير التى عقدوها بنجاح.
ومثل (عماشة في الأدغال) تقمصت الحالة ولبست بدلة الصيد وقبعة السفارى ودخلنا الغابة المفتوحة بالسيارة المصفحة ذات الدفع الرباعى المخصصة لهذا النوع من (الطلعات البرية الجريئة)، قضينا الساعات نجرى بالسيارة، خلف الإثارة والتحدى والمغامرات الرهيبة، لكننا لم نقابل غير الغزلان والبقر، والزرافات الجميلة والنعامات المستكينة، والسيد قشطة الوديع، حتى قطعان الحمار الوحشى المخطط تحايلنا عليها كى تقترب، وفي النهاية خالفنا التعليمات ونزلنا من السيارة ومشينا نحوها كى نلتقط معها صورا .. ولو من بعيد !
هذه ليست السفارى التى أتوقعها .. أين النمور المخيفة والذئاب المفترسة والوحوش الضارية ؟ أين الأسد ؟؟؟
تقول النكتة الكينية إن فتاة شديدة الاسمرار ذهبت للغابة فقابلها الأسد، صرخت من الرعب وقالت له أرجوك لا تأكلنى، فرد عليها: اطمئنى.. الدكتور مانعنى من المشويات !!
قفز من بيننا رجل الأعمال الذى كان لا يتكلم إلا في البيزنس وسعر الدولار وتكاليف الشحن وتغليف وبيع اللحوم، وفجأة اعتلى ظهر السيارة وهى تمشى في الغابة الكينية المفتوحة وبسعادة الأطفال انطلق يغنى:
(سلم عالااااااآآى... لما جابلنى وسلم على.. ولدى يا ولدى.. سلم عالااااااى) بعدها رأينا أسدا وحيدا يجلس في الأحراش وينظر أمامه بلا اكتراث.. حاولنا إثارة الضجيج لنحرضه على الحركة، ونلتقط له الصور، وأحدنا جازف بالنزول من السيارة التى كانت على بعد حوالى 20 مترا منه ، ليرى رد فعله ويثير اهتمامه، وكأننا نتوقع أنه سيرد على إشارات أيدينا وندائنا بالسلام.. لكنه كان أعقل منا بكثير، ومثل أى ملك يترفع عن الصغائر ولا يبالى بأفعال العامة والدهماء.. وقف وأعطانا ظهره ومشى مبتعدا..
ودى كانت نهاية فرقة عماشة في الأدغال.. وأول وآخر مرة أروح الغابات في كينيا !