مشكلة كل بيت في مصر هي كيف يقضي الأبناء أوقات الفراغ الطويلة في الصيف، فالإجازة الصيفية للطلاب من أطول الإجازات الدراسية في العام فهي تتراوح ما بين أربعة لخمسة شهور متصلة، حتى الشهادات الأجنبية فالإجازة لديهم حوالي شهرين ونصف الشهر وتبقى مشكلة كل البيوت وهي كيف يستفيد الأولاد من تلك الفترة. وشكوى معظم الأمهات وخصوصا العاملات منهن من أن الأولاد يقضون معظم الوقت أمام الأجهزة الحديثة سواء اللاب توب والتابلت أو الموبايلات لا سيما أن المصريين من أكثر الشعوب التي تستخدم الموبايل الحديث حيث تبلغ نسبة التليفون الذكي أكثر من ٧٠٪ من مبيعات التليفون المحمول في العام الماضي، والأمر لم يعد مقتصرا على القادرين ماديا فحتى في المناطق الشعبية والريف انتشرت بجانب الموبايل مراكز الكمبيوتر(cyber)التي يقضي فيها الأولاد ساعات طويلة، وكعادتنا في كل من نستورده من تقنيات ومستحدثات من الغرب ننال من عيوبها أكثر من مميزاتها، فمثلا كنت أتحدث مع مصري يعمل في ناسا بكاليفورنيا وذلك في برمجة أجهزة الكمبيوتر والتحكم لمكوكات الفضاء وقال لي إن أغلب المدارس هناك توصي بأن يتم تحديد استخدام الكمبيوتر بما لا يزيد عن ساعة أثناء الدراسة وساعتين في الإجازة، وإن معظم الآباء يقومون عبر كود يحصلون عليه من شركات الإنترنت بغلق الإنترنت ولا يتم فتحه إلا في توقيت معين يتحكم فيه الوالدان ويرتبط بأن يكون الولد أو البنت قد قاما بعمل واجباتهما أثناء الدراسة أو قاما بممارسة الرياضة أو القراءة أثناء الإجازة . وفي اليابان حدثني إسماعيل خيرت سفيرنا هناك بأن الأسر تلزم الأطفال بعدم عمل صفحات على الفيس بوك لمن هو أقل من ١٣سنة وفقا للقواعد الرسمية لاستخدامه والتي لا نلتزم بها نحن في بلادنا فنجد طفلا عمره ثمانية أعوام وقد قام بعمل صفحة ويلجأ للكذب فيكتب أن عمره أكثر من ١٣عاما حتى يسمح بدخوله للفيس كما أن نفس قواعد استخدام الإنترنت الموجودة في أمريكا للأطفال من حيث عدد ساعات الاستخدام تطبق لديهم، وأثناء الدراسة وكذلك الإجازة يلزمونهم بقراءة كتابين كل شهر والقيام بتلخيصهما حتى يحصلوا على الدرجات والتقديرات الدراسية كاملة، والحقيقة أن هناك دراسات عديدة تؤكد أن استخدام الإنترنت لساعات طويلة يؤثر على المخ فقد وجد باحثون من جامعة ميلانو في إيطاليا أن المخ يفرز مادة الدوبامين بمعدلات أعلى بكثير من معدلاتها الطبيعية وهي من المواد الكيماوية التي يفرزها المخ عند إدمان المخدرات ووجدوا أن أعراض التوقف المفاجئ عن استخدام الإنترنت هى نفس أعراض التوقف المفاجئ عن المخدرات من سوء الحالة المزاجية والتوتر وهناك دراسة أخرى لجاري سمول أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا تقول إن الجزء المسئول في المخ عن التفكير العميق والتركيز يقل نشاطه بشكل كبير لدى مستخدمي الإنترنت وهناك دراسة أخرى لبيتسي سبارو من جامعة هارفرد تؤكد نفس المعلومة، وفي الصين قاموا بعمل معسكرات لعلاج الشباب والأطفال من إدمان الإنترنت.
وما نراه الآن بين الشباب في مصر أنهم واقعون تحت تأثير الإنترنت بكل ما قد يحمله من آثار سلبية وأن نسبة استخدامه فيما يفيد هى نسبة ضيئلة، والأمر يحتاج إلى اهتمام حقيقي من الأسر حتى لا نترك أبناءنا فريسة لهذا الغول الذي يبتلع أوقاتهم ويشوه عقولهم.
نور الكلمات:
"لا يدخل حياة الإنسان شيء كبير إلا ومعه لعنة كبيرة". سوفوكليس الكاتب اليوناني القديم