أعترف علناً وعلي رؤوس الأشهاد أنني أعجبت الأسبوع قبل الماضي بأعداء الأمس. أما أعداء اليوم والغد فلا يمكن أن أفكر- مجرد تفكير- في الإعجاب بهم. لأن الدماء لا يمكن أن تصبح ماء أبداً. لكنه العنوان الذي أخذني في طريقه وأعجبت به وكتبته رغم أنه لا يعكس بدقة ما أنويه.
توني بلير- رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- خرج علينا واعترف اعترافه الخطير أن اشتراكه في غزو العراق كان خطأ. أولاً أعجبت بأن اللجنة التي تحقق معه استمرت في التحقيق أكثر من 7 سنوات. وهي قدرة فريدة عندهم. نحن نستهلك القضايا بين يوم وليلة. وننساها قبل أن يمضي عليها أسبوع. نتعامل معها كأنها لم تكن. والقضايا التي استهلكناها. ودفناها في دوائر النسيان أكثر من الهم علي القلب. وعناوينها كثيرة جداً. ويبدو أننا نهتم بالقضايا من أجل أن ننساها.
لكن أن تشكل بريطانيا لجنة للتحقيق في مشاركتهم في غزو العراق سنة 2003 وتأخذ الأمر بجدية وتستمر فيه حتي تصل لنتيجة. فإن هذا لابد أن يجعل الإنسان يعجب بخصومه. فأنا من المؤمنين بمقولة كابلنج: الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً. ومع هذا ما المانع أن أعجب بأعداء الأمس؟
لا تتصور أنهم صفقوا لتوني بلير. لقد خرج من المجلس الملكي الخاص بمستشاري الملكة. ووجهت له تهمة سوء السلوك أثناء توليه منصبه المهم. أعرف أن العقوبات أقل من الجرائم. بل ربما تمثل حالة من التدليل الذي مارسته بريطانيا معه بعد جريمته الكبري. أما شريكه في الجريمة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن. فهو حرٌ طليق لم يحقق معه أحد. لأن اللجنة كانت إنجليزية ولم تحقق إلا مع توني بلير.
أذهلني موقفنا نحن. لا الأشقاء في العراق تحركوا وطالبوا بمحاكمته باعتباره مجرم حرب. ولا جامعة الدول العربية تكرمت علينا ببيان عبر عن استنكارها لما جري ويواجه الغرب بجرائمه ويطالب بمحاكمته ولو محاكمة صورية غيابية. بل إن الوطن العربي كله أصيب بسكتة قلبية وتعامل مع الأمر باعتباره من الأمور الطبيعية. لا مظاهرات. لا مطالبات. ولا حتي محاكمات شعبية لبلير علي ما فعله بالعراق.
بل إننا لم نحاول أن نتذكر ما جري. وقد عاصرناه جميعاً. كان غزو أمريكا للعراق 2003. أي قبل مضي ثلاثة عشر عاما. ونحن جميعاً كنا حيث نحن الآن. تابعنا ما جري. ومصمصنا شفاهنا. وشكونا لله حتي ينتقم لنا. واليوم وها هو توني بلير يعترف بالخطأ وتحاسبه بريطانيا وتخرجه من مجلس مستشاري الملكة. وتصفه بأنه لم يكن علي مستوي أمانة منصبه. في حين أننا نقنع بالفرجة من بعيد.
>>>
من بغداد المحتلة إلي القدس المحتلة يا قلبي لا تحزن
وفي تل أبيب تحولت جولة نيتانياهو الإفريقية لفضيحة متكاملة الأركان. فالرجل أنفق عليها من أموال دافع الضرائب الإسرائيلي سبعة ملايين دولار تكلفة الرحلة. وقدم للدول التي زارها 19 مليون دولار مساعدات. واصطحب معه عدداً من رجال الأعمال في المقدمة منهم الذين يعملون في صناعة وتجارة السلاح. هكذا كتبت صحافتهم وتطالب بمحاكمته بسبب هذا السفه والتبديد لأموال الدولة العبرية.
لم يتحدث أحد عن إنجاز أنجزه نيتانياهو. بل إن صحافة العدو الصهيوني عندما زار وزير خارجيتنا سامح شكري القدس المحتلة. فرحت بالزيارة لدرجة أنها وصفت إسرائيل بعدها بأنها دولة إقليمية عظمي. خرجت من عزلتها وأصبحت واحدة من مراكز الكون الأساسية التي يحج لها الجميع.
الربط بين الزيارتين ليس من عندي. وأنا لا يمكن أن أكتب ما يشكل انتصاراً لعدوي. لكن صحافتهم هي التي تولت الربط بين جولة نيتانياهو الإفريقية وزيارة سامح شكري لتل أبيب. ولن أنقل ما نشره الإعلام الصهيوني عن هذه الزيارة رغم إيماني أن ناقل الكفر لا يمكن أن يكون بكافر.
لكن لابد من قراءة مكر التاريخ. نشرت الصحافة الصهيونية صورة لنيتانياهو يتوسط رؤساء دول حوض نهر النيل. يجلس علي يمينه 4 وعلي يساره ثلاثة. رؤساء 7 دول تشكل دول حوض النيل يجلسون حول نيتانياهو. وإن كانت صحافتهم لم توضح حكاية الصورة؟
أعتقد أن الصورة تُشكل رداً علي صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي وبجواره الفريق أول صدقي صبحي وحولهما 28 وزير دفاع إفريقيا حضروا مؤتمر دول الساحل والصحراء عقد في شرم الشيخ. وشكَّل فتحاً حقيقياً للرئيس السيسي في إفريقيا. وجعلنا نتذكر أمجاد زمن عبد الناصر الإفريقية. ودور عبد الناصر في إفريقيا. ونتصور أن ما تم يمكن استعادته أو البناء عليه أو استكماله.
أيها السادة: إفريقيا مجالنا الحيوي، وحاول نيتانياهو اختراقه.