الأخبار
عبد المنعم فؤاد
الإسلام والإعلام وحادثة نيس


أسفت كغيري من محبي الأمن، والسلام في مصر، والعالم علي ما وقع من جرم إرهابي في مدينة: ( نيس بفرنسا) منذ ساعات حيث لا يمكن لصاحب عقل سليم، أو فكر سوي أن يقبل بمثل هذا الجُرم الذي راح ضحيته أبرياء بدون ذنب اقترفوه.
وفي الوقت نفسه عجبت بل وأسفت أيضا علي تسرع بعض القنوات في بلادنا في نقل الخبر مصحوبا باسم صاحبه، وجنسيته الفرنسية و(التونسية سابقا ) ( ثم ديانته الإسلامية) فيقول:( فلان بن فلان فرنسي الجنسية وتونسي ومسلم ).
وقلت لماذا يصر البعض في إعلامنا علي استدعاء(اسم الإسلام ) مع هؤلاء الإرهابيين، مع أن فرنسا نفسها لم تذكر سوي الاسم والجنسية ولم تستدع الديانة التي ينتمي إليها المجرم !
أو لسنا أحق بالاعتدال من غيرنا في نقل الخبر دون تلوث اسم ديننا ؟ وهل ذكرنا للإسلام في وسط هذا الجو الملبس بالإجرام فيه كبير فائدة للسامع، أو المشاهد في أي مكان ؟!.
إن المهنية الإعلامية لابد أن تُراعي مشاعر المتلقي، وتضع الأمور في نصابها، وتنظر للنتائج التي تترتب علي الخبر.
فمن يسمع كلمة الإسلام مقرونة باسم المجرم لابد أن تتسرب أوهام سريعة إلي ذهنه، ومنها أن الإسلام دين عنف، وقتل، وتشريد، وأنه هو الذي دفع هذا المجرم إلي ارتكاب جرمه، وهذا مخالف تماما لتعاليم هذا الدين الحنيف، بل مخالف لتعاليم المسيحية، واليهودية وكل المذاهب الأخلاقية، وكم من الجرائم وجدت، وتوجد كل ساعة في فرنسا، وأمريكا، وأوربا وغيرها، ولم يذكر اسم المجرم ومعه ديانته، فلماذا تتبرع بعض وسائل إعلامنا بذلك، وتجعل الآخرين بدلا من أن يحاكموا المجرم بجرمه يحاكمون الدين الذي ينسب نفسه إليه؟ مع أن الإجرام، والإرهاب :لا دين له، ولا وطن، لذا من الخطأ نسبته لبلد معين، أو دين معين، فالمجرمون من شتي أنحاء العالم يجمعهم الإجرام، والانحراف الخلقي، وغالبا ما ينقلب السحر علي الساحر. لذا تحتاج المسألة إلي تكاتف مجتمعي لترسيخ مبدأ السلام، وتعزيز مفهوم الإنسانية، والإخاء للبشرية علي اختلافها، وهذا ما يحث عليه ديننا الحنيف الذي يُستدعي اسمه من إعلامنا خطأ، ولا تُستدعي أديان الآخرين من المجرمين، وكأن الأمر مبيت بليل لتوريط المسلمين الذين لم يتعلموا عن رسولهم الكريم ثقافة العنف، والقتل، والتشريد.. بل تعلموا ثقافة: ( وقولوا للناس حسنا ) وثقافة ( وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان )، وثقافة ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وفي رواية أخري ( من سلم الناسُ من لسانه، ويده ) أي: كل الناس علي اختلاف أجناسهم، وألوانهم، ومشاربهم، فالسلوك الإيذائي والذي يُسمي العنف مع الآخر دون وجه حق لا مكان له في تعاليم ديننا، بل الثابت حقا، وصدقا هو قول النبي -عليه الصلاة والسلام-
( إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف) وقوله : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه )..
لذا قد أخطأ من ظن أن العنف طبيعة في الإسلام، وأن المسلمين هم ذئاب مفترسة، وأن العنف هو ثقافتهم التي لا توجد لدي غيرهم، !. وهذا غير صحيح بالمرة،، فثقافة العنف، والقتل موجودة منذ أن وجد ابني آدم قال تعالي : ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق... ) المائدة 27-، وقتل أحدهما أخاه، وندم علي ذلك ( فأصبح من النادمين ).
فالعنف والقتل يورثان الندم، والندم لا يفيد، بعد هذا الجرم البغيض.
وعند اليهود نجد أيضا انتشار ثقافة العنف، والقتل وسفك الدماء بصورة مخيفة في كتبهم المقدسة لديهم، وقد أشار القرآن الكريم إلي قتلهم الأنبياء بغير حق، في مواضع شتي، لدرجة أنهم تعرضوا لإيذاء المسيح -عليه السلام - وأمه الطاهرة، وحفظهما الحق بحفظه، وراعهما برعايته، بل عصمه الحق، ورفعه بقدرته سبحانه، ونجاه من عنف هؤلاء. وما زالت البشرية تعاني من جرائمهم إلي يوم الناس هذا.
وفي الحضارة الغربية، والتي يدعي أصحابها أنهم يسيرون علي نهج المسيح عليه السلام، وسماحته وهو القائل عندهم -:
( من ضربك علي خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ومن سخرك لتسير معه ميلا فسر معه ميلين، ومن أراد أن يأخذ قميصك فاعطه)،- لوقا اصحاح 6- متي / 5- . فهل أصحاب هذه الحضارة الحديثة الآن، والتي يسمون دولها : بالمتقدمة، هل يطبقون ذلك في ديارهم، أو حتي خارج بلادهم ؟.
إن التاريخ الدموي الذي سجلته أوربا علي نفسها يؤكد أن العنف مشترك بين الجميع، وأن المسلمين ليسوا وحدهم الذين توجد بينهم جماعات عنف، وكاذب من يدعي ذلك، وإلا: فمن قتل البروتستانت في بداية ظهورهم في أوربا هل هم المسلمون أم إخوانهم الكاثوليك؟؟
ومن سفك الدماء في الحرب العالمية الثانية علي أراضي أوربا :
هل هم المسلمون أم الأخوة هناك المتشاكسون ؟

ومن الذي أباد هيروشيما، وناجازاكي بقنبلتين عظيمتين فقتلت: الرجال والنساء، والرضع، وأُبيد الأخضر، واليابس في اليابان هل هم المسلمون ؟
ومن الذي قاد حروبا صليبية - علي بلاد الشرق -والدين منها براء- ؟
ومن قتل أطفال العراق؟ وأقام سجن أبو غريب، ومن قبله سجن غونتانامو ؟؟ الخ.
ونحن لا نقصد تحريك ذكريات الماضي، والحاضر المؤلمة للبشر جميعا، إنما نريد فقط من أبنائنا، وممن يريد أن يعرف الحق من غير أبناء جلدتنا: أن يعلم أن جماعات العنف عندنا لا تمثل تعاليم ديننا البتة ، كما أن هذا الدين، وإن وجد من ينتسبون إليه -بأسمائهم - من المتطرفين فليس التطرف خاصا بهؤلاء فقط بل عند الغير أكثر.
لذا لابد من تصحيح الخطاب الإعلامي في هذا الشأن، ووضع الأمور في نصابها، وتسمية الأسماء بحقيقة مسمياتها، وتبرئة كل دين صحيح من أفعال المجرمين أيا كانت جنسياتهم، وألوانهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف