تتركز انظار العالم الان علي تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري.. المؤيدون والمعارضون.. المحبون والكارهون.. المتحالفون والمتربصون.. الجميع ينظرون.. وينتظرون ماذا سيكون عليه سلوك الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال المرحلة القادمة.. هل سيعرف قيمة الديمقراطية التي أنقذته والتي جمعت الاطياف السياسية المعارضة والموالية ضد الانقلاب؟!
هل سيعلي مبادئ العدالة والحريات وحقوق الانسان أم سيتحول الي وحش كاسر وديكتاتور مغرور مستبد منتقم لايقبل غير الصوت الواحد الذي يسبح بحمده؟!
اذا كانت مواجهة الانقلاب هي الجهاد الاصغر.. فإن اختبار ما بعد الانقلاب سيكون الجهاد الاكبر الذي يحدد مسار اردوغان ومصيره.. وربما مصير الديمقراطية والانجازات الاقتصادية التي تحققت وكانت دافعا للمواطنين كي يخرجوا الي الميادين ويدافعوا عنها في مواجهة مدبري الانقلاب.
لاشك ان اردوغان يدرك جيدا ان هذا الخروج الجماعي للجماهير لم يكن من أجله بعد ان صار محل جدل بسبب رغبته في إجراء تعديلات دستورية تمنحه سلطات اوسع وتتيح له الاستمرار في المشهد السياسي اكثر من اللازم.. لكنه كان خروجا لحماية المكتسبات الوطنية واستمرار تركيا كدولة مدنية صاعدة وواعدة.
ولاشك ان كل من تابع الحدث.. محاولة الانقلاب الفاشلة بعين موضوعية يدرك جيدا ان الشعب التركي صار اليوم محصنا ضد آفة الانقلاب العسكري.. انه يعلم يقينا بحكم تجارب السنوات الطوال الماضية وتكرار الانقلابات عاقبة هذا الانحدار والكوارث التي يمكن ان يأتي بها.
من أجل ذلك توحدت النخب السياسية المتناحرة باختلاف ألوانها علي رفض الانقلاب العسكري.. واوقف الشعب زحف الدبابات في الشوارع واعتلاها.. ولم يرفع صورا لاحزاب او لاشخاص.. بل رفع العلم التركي فقط.. ولم يهتف هتافات حزبية وانما هتف للديمقراطية واصر عليها حماية للمستقبل.. شعب توحد ولم ينقسم.. ونخبة نبذت خلافاتها السياسية الحادة وتوحدت لنزع الخطر الوجودي الذي يهدد مسارها الديمقراطي السلمي.. هذه هي الحكاية.. وهذه هي الصورة التي كانت.. فماذا عن الحكاية وعن الصورة التي ستكون؟!
* هل سيعي أردوغان الدرس ليصبح اكثر ديمقراطية وانفتاحا علي معارضيه السياسيين.. أم سيتصرف باعتباره الزعيم القوي الذي دانت له البلاد والعباد.. وانه المخلص.. مبعوث العناية الالهية الذي ترعاه الاقدار باعتباره المنقذ.. صاحب المشيئة.. الحكيم.. الذي لاينطق عن الهوي.. والذي لايجب ان يسمع الشعب صوتا غير صوته.. باعتباره الوطني الاول.. الذي يمنح ويمنع.. وبحكمته تستقيم الامور؟!
* هل سيطبق اردوغان واجهزته القانونية قواعد الدستور والعدالة ويلتزمون المعايير الدولية في محاكمة الآلاف التي اعتقلت بدعوي مشاركتها في الانقلاب.. ام ستجرفه غواية الانتقام الاعمي.. فتصدر احكام الاعدام بالجملة.. دون حتي ان يسمع القضاة دفاع المتهمين.. او يقرأوا في الاوراق التي أمامهم؟! هل ستكون المحاكمات حقيقية عادلة أم انتقامية صورية؟!
* هل سيكتفي اردوغان بمعاقبة المتورطين في الانقلاب أم سيعمل علي توسيع دائرة الاشتباه.. لتشمل المعارضين السياسيين والخصوم الايديولوجيين بدعوي التطهير.. هل ستعلو نغمة المؤامرة ويرتفع شعار الحرب علي الارهاب لتبرير الاجراءات الاستثنائية الاستبدادية ام سينفتح المجال السياسي لمزيد من المشاركة المجتمعية دون اقصاء أو تشويه وشيطنة للخصوم؟!
ويقينا.. اذا نجح اردوغان في اختبار ما بعد الانقلاب فسوف يكتب تاريخا ناصعا جديدا لتركيا.. أما اذا سقط واستسلم لنوازع الزعامة المزيفة والاستبداد فسوف يكتب نهايته بيده.
"إنا هديناه السبيل.. إما شاكرا وإما كفورا"
صدق الله العظيم