حسن ابو طالب
الجامعة العربية فى زمن التهافت
الجامعة كمؤسسة إقليمية ليست فى أفضل حالاتها، وبحاجة إلى تطوير وإعادة هيكلة وفقا لتصريحات الأمين العام أحمد أبو الغيط، غير أن الأوضاع العربية العامة تُعد أكبر عقبة تحول دون اتخاذ ولو خطوة واحدة فى عملية التطوير هذه. فالواقع العربى متهافت وفاقد للبوصلة ومُخترق من كل الجهات.
تهافت الأوضاع العربية ليس بحاجة إلى بيان، فكل ما حولنا يقودنا إلى هذا الوصف، بداية من ضياع دول عربية مهما بقيت مرسومة على الخريطة العربية، ونهاية بفقدان الحد الأدنى من التوافق على الأولويات العربية سواء من حيث التوصيف وتحديد الهدف والأداء المطلوب لتحقيق هذا الهدف. ولعل بقاء الغموض العربى فى تحديد ما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون وما الذى يجب فعله بصورة تضامنية وجماعية لمواجهة هذا الوحش الكاسر الذى يتلون كالحرباء ويوجه ضرباته فى كل اتجاه، ومع ذلك لا توجد آلية عربية للمواجهة تلتزم بها الدول العربية التزاما صارما، ومن ثم يبقى الوضع على ما هو عليه، إذ تفضل كل دولة مصارعة الإرهاب منفردة، وفى أحسن الأحوال وعند الضرورة القصوى تتبادل معلومات مجتزأة عن عمل ارهابى أو جماعة عنيفة، مع دولة عربية أخرى ثم تغلق الأبواب سريعا وبما لا يسمح بتراكم الخبرات الجماعية العربية فى المواجهة، وبالتالى تظل المشكلة فى حالة تصاعد واستفحال، يقابلها قدر متزايد من اللامبالاة الذى يصب فى رصيد الإرهاب وانتشاره سرطانيا.
والشئ بالشئ يُذكر، لقد اتخذت القمة العربية السابقة فى شرم الشيخ قرارا بتشكيل قوة عربية موحدة تكون رصيدا للأمن العربى الجماعى وآلية لمواجهة ما قد تتعرض له دولة عربية من ضغوط أو هجمات أو اعتداءات تستهدف بقاءها ووجودها. وطوال عام ونصف عام تقريبا، حدثت عدة اجتماعات بين مسئولين عسكريين عرب كبار لمناقشة القرار العربى وتحويله إلى واقع، وبدت الأمور رغم تعثرها فى البداية وكأنها تسير على الطريق الصحيح، إلى أن جاء طلب دولة عربية وتأييد آخرين بإرجاء الموضوع لمزيد من الدراسات، ثم توقف كل شئ، وكأن العالم العربى وكل دوله تعيش أزهى عصور الأمن ولا تواجه أية تهديدات وكل شئ تحت السيطرة. وبالقطع إن فكرت دولة عربية أو أكثر بمثل هذا المنطق، فمن المؤكد أنها تعيش حالة خاصة بها لا علاقة لها بالواقع العربى والإقليمى الُمعاش.صحيح أن بعض الدول العربية تجد مظلة حماية من قوى عظمى، لكنها الحماية المرهونة برضاء الطرف الحامى، وقد يفيق البعض على كارثة إن فاز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، إذ يدعو إلى أن تكون مظلة الحماية الامريكية لمن يدفع ثمنها، وهو باب يصب فى استنزاف منهجى وممتد لهذه الأطراف التى قد تجد نفسها مُرغمة على قبول هذه الصيغة الاستعمارية الفجة. ولما كان العالم كله الآن فى حال اضطراب سياسى وتشوش غير مسبوق، يصاحب ذلك شرق أوسط مفتوح على كل الاحتمالات السيئة بل والأكثر سوءا، فمن الحكمة أن ترتد الدول العربية إلى صيغ حماية جماعية تقوم على الاعتماد على الذات تحسبا لما هو قادم فى المستقبل القريب جدا. غير أن الواقع العربى يتحرك وفق عناصره القديمة وكأن لا شئ يعنيه بما فى ذلك الحفاظ على بقائه. ولاشك أن الاضطراب العربى هو جزء أصيل من مشهد الاضطراب الاقليمى / الدولى، بل فى بعض النماذج العربية يتجسد هذا الاضطراب والتشوش الى حد الاندفاع إلى نوع من الموت الذاتى بدلا من الاندفاع نحو البقاء وحفظ حياة الناس. فالمفاوضات اليمنية فى الكويت بين الحكومة الشرعية وقوى التمرد الحوثى الصالحى، والتى استمرت أكثر من شهرين دون أية نتيجة تذكر نحو تطبيق قرارات الأمم المتحدة، وفى سوريا يتساقط المدنيون والعسكريون والمسلحون من جماعات الإرهاب المُسماة زورا جماعات الاسلام المعتدل، والتى أفصحت عن وجهها الدموى واللا إنسانى بصورة بشعة حين أقدم مسلح حقير من جماعة تحصل على دعم أمريكى تركى سخى بذبح طفل سورى على مرأى من العالم كله، وكأنه فى ملهاة سوداء.وقس على ذلك القتل اليومى فى العراق والنزعة الطائفية فى الحكم والتى لم يعد لها سقف معين، بل صعود متتال إلى السماء وبما يضع بقاء العراق الموحد الفيدرالى على المحك، والامر نفسه فى ليبيا، حيث تتمدد جماعات الارهاب سواء تحت رايات داعش او جماعة الاخوان الليبية.
ووفقا للتقاليد العربية المعتادة فى اجتماعات القمة، فكل يبحث عن فقرة فى البيان الختامى تؤكد صواب موقفه تجاه قضية ما تتعلق بمصالحه الذاتية ولا يهم هنا القاسم المشترك مع الآخرين، ونظرا للتشابك والتداخل والتعقيد الحاصل فى كل القضايا العربية الساخنة دون استثناء، يبدو من العسير أن تكون هناك مواقف جماعية عربية موحدة تجاه قضايا مثل سوريا واليمن والعراق وليبيا والقوة العربية المشتركة، أو وضع تقييم منصف لأدوار أطراف إقليمية تخوض فى الشأن العربى دون مسوغ، كإيران وتركيا واثيوبيا، فهناك من يرون إيران مثلا مصدر الشر والتهديد، ويرون فى المقابل أن تركيا الطامحة لدولة خلافة هى الشريك الواجب دعمه دون قيود إلى حد قبول شطحاته وتدخلاته فى أكثر من بلد عربى دون رد. وفى مثل حال عربى كهذا، تبدو قمة موريتانيا مهمة، فهى تُعقد فى المغرب العربى الكبير، ولكنها لن تغير من الواقع العربى شيئا، حتى يتغير العرب أنفسهم ويخرجون من تهافتهم أولا.