المصرى اليوم
سمير فريد
حل المشكلة ليس بإلغائها!
طالب الكاتب الكبير والأديب المتميز إبراهيم عبدالمجيد فى «أخبار الأدب»، أمس، بإلغاء وزارة الثقافة، وأن تترك الحكومة العمل الثقافى للمجتمع المدنى، وقد تصاعدت أصوات عديدة بعد ثورة يناير تطالب بإلغاء هذه الوزارة، ولم يناقش الأمر بجدية مثل أمور كثيرة أخرى.

السبب فى هذه المطالبة أن الثقافة المصرية تحولت فى ظل وجود وزارة الثقافة من ثقافة عصرية منفتحة على كل الثقافات إلى ثقافة متخلفة منغلقة وصلت إلى حد ممارسة العنف باسم الإسلام وطرد اليهود والتمييز ضد المسيحيين، وغير ذلك من الكوارث الثقافية التى نعانى منها.

والسبب فى تحميل هذه المسؤولية لوزارة الثقافة من أطلق عليها هذا الاسم بدلاً من اسمها الحقيقى وهو وزارة الفنون والآداب، فالثقافة السائدة فى أى دولة ليست مسؤولية وزارة واحدة، وإنما وزارات التعليم والإعلام والشؤون الاجتماعية والشؤون الدينية والشباب والرياضة والتراث الوطنى المسماه بالآثار، أو ما يمكن أن نطلق عليه مجموعة الوزارات الثقافية مثل المجموعة السيادية والمجموعة الاقتصادية والمجموعة الخدمية. ووزارة الفنون والآداب يجب أن تكون مستقلة عن المجموعة الثقافية، لأن تلك المجموعة يجب أن تكون موجهة من الدولة، ولا قيمة للفنون والآداب عندما تصبح موجهة، فهى أعمال ذاتية تستمد قيمتها من حرية التعبير أولاً وأخيراً.

جوهر عمل الفنان والأديب أن يتطلع إلى تجاوز الواقع حتى لو كان واقعياً، أن ينقد بالمعنى العميق للنقد، ألا يرضى أبداً، وكم كان الشاعر محمود درويش على حق عندما اعتذر عن قبول منصب وزير الثقافة فى السلطة الوطنية الفلسطينية، فالسياسة فن الممكن والشعر فن المستحيل، وقد كان الفنان والأديب فى صراع دائم مع السلطات، منذ أن عرفت الإنسانية الفنون والآداب، وليس المقصود هنا السلطات السياسية فقط كما هو شائع، وإنما كل السلطات الاجتماعية والدينية ولا فرق بين الكنيسة فى العصور الوسطى وبين حكم النازى فى ألمانيا عام 1933، أو حكم الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق عام 2016، ودعك من بدهية أنه لا كنيسة العصور الوسطى كانت تعبر عن حقيقة المسيحية، ولا الدولة الإسلامية تعبر عن حقيقة الإسلام، ومتى طبقت تعاليم أى دين كما أنزلت بعيداً عن السياسة.

وزارة الإرشاد أو الثقافة من ابتكارات الدول الشمولية فى القرن العشرين، وقد بدأت مع الثورة الشيوعية فى روسيا عام 1917، ثم انتقلت إلى الفاشية فى إيطاليا وإسبانيا والبرتغال والنازية فى ألمانيا، وكان الهدف منها توجيه الفنون والآداب بأن تنتج الدولة أعمال الأدب والفن، وبعد الحرب العالمية الثانية «1939-1945» تبنى العالم الحر أن تصبح العلاقة بين الدولة الديمقراطية والفنون والآداب هى الدعم فى مواجهة السوق، أى حتى يتحرر الفنان والأديب من سلطة السوق، وذلك عن طريق وزارة تسمى بأسماء مختلفة مثل الثقافة أو الفنون أو الإنسانيات، حسب مفاهيم هذا المصطلح أو ذاك فى كل لغة، ولهذا كله، فالحل ليس إلغاء وزارة الثقافة، وإنما صياغة علاقة جديدة بين الدولة والفنون والآداب فى مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف