محمد بغدادى
مهــزلة الضــريبة المضـافة!
يبدو أن هناك «تار بايت» بين مصلحة الضرائب والمواطن المسكين أو المستهلك.. فمنذ أن بدأت الحكومة تعانى من عجز فى الموازنة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. وحتى يومنا هذا.. وكل الحكومات التى تعاقبت علينا بداية من المجلس العسكرى.. مرورا بعهد الإخوان والرئيس عدلى منصور.. ونهاية بولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وهذه الحكومات لا ترى حلا لاستكمال عجز الموازنة سوى جيب المواطن المسحوق.. والمستهلك الغلبان.. والطبقة الفقيرة المعدمة التى تعيش تحت خط الفقر.. والطبقة المتوسطة التى تمثل حوالى ستة ملايين ونصف موظف.. وكل منهم يعول فى المتوسط (أربعة أفراد × ستة ملايين مواطن = 24 مليون إنسان مصرى مطحون).. فنحن أمام ملايين المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر.. وفى النهاية لا تجد الحكومة سوى هؤلاء المساكين لتضع يدها فى جيوبهم لتسلبهم كل ما يملكون من ملاليم لا تشفى.. ولا تغنى من جوع.
والمتأمل لقرارات وزارة المالية وتفاصيل قانون الضرائب المضافة الجديد.. لا يجد أى إبداع أو تفكير خارج محفظة المواطن الفارغة.. فعين كل هذه الحكومات العقيمة على المستهلك.. حتى وإن ادعت أن الضريبة لن تمس محدودى الدخل.. وأنها على سلع الأغنياء وليست على السلع المدعومة.. كل هذا هراء.. واستخفاف بعقول المواطنين.. وكلما فرضت ضرائب جديدة.. يتبارون فى الإعلان عن «أنه لا مساس بمحدودى الدخل».. حتى أن المصريين أطلقوا على وزير المالية الأسبق «بطرس غالى»: (وزير لا مساس!).. ولكن فى النهاية كله يصب على رأس محدودى الدخل.. أن مستلزمات الإنتاج عليها ضرائب.. والسجائر والتبغ عليها ضرائب و60% من الشعب المسكين طوال النهار يحرق فى صدره لأن دمه محروق من اشتعال الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه.. والوقود عليه ضرائب.. واستيراد المواد الغذائية والمواد الخام عليها ضرائب مبيعات.. ورسوم جمركية.. ونحن دولة تستورد 80% من المواد الغذائية من الخارج.. فهذا معناه أن كل هذه الضرائب والرسوم سيتحملها المستهلك أى المواطن المسكين.. وكأن الحكومة والمستوردين والمستثمرين ليس لديهم حائط مائل يتكئون عليه سوى المواطن الغلبان.. وكلما اتكأوا عليه مال بهم.. حتى لامست أكتافه الأرض.. فهزموه أو سحقوه بالضربة القاضية (لمس أكتاف!).. وإذا هزمت الحكومة شعبها.. وسحقته إلى حد التجويع.. فأبشروا بحالة غليان.. ووقتها لن تجد الحكومة ما تدافع به عن نفسها سوى قهر الرجال.
وإذا كانت الأمور معقدة إلى هذا الحد.. فأين يجد علماء الاقتصاد الحل؟ وبالطبع كل مشاكل مصر المعقدة لهاحلول.. والمسائل ليست كيمياء ولا ذرة ! والحلول تكمن فى حلين لا ثالث لهما.. وطرحها مرارا خبراء الاقتصاد.. وهى إعادة النظر فى منظومة تحصيل الضرائب كلها.. ولكن الحكومة تستسهل جيب المواطن الغلبان.. لأن هناك أصحاب مصالح.. وفسادًا مستشرى يمسك بمفاصل الدولة.. بأياديه وأسنانه.. وهناك مكاسب بالملايين بل بالمليارات.. ولا يمكن أن يتنازل عنها أصحابها بسهولة.. فهناك ما يربو عن 60% من اقتصاد مصر يدار فى (بير السلم)، ولا يحُصَّل عليه أى نوع من أنواع الضرائب أو رسوم التسجيل.. أو الجمارك.. وكل هذه الأعمال لا تخضع للرقابة الصحية.. أو مقاييس الجودة.. أو شروط الحماية المدنية.. ففى إحصائية أجرتها غرفة صناعة الطباعة عن عدد المطابع المسجلة عام 1998 وكنت أيامها عضوًا فى مجلس إدارة اتحاد الناشرين.. وجدنا أن هناك ثمانية آلاف مطبعة فقط هى المسجلة ولديها تراخيص وسجل تجارى وملف ضريبى.. على مستوى الجمهورية.. والمطابع غير المسجلة وتعمل فى بير السلم داخل القاهرة الكبرى فقط ستة عشر ألف مطبعة.. وهى لا تسدد رسومًا أو ضرائب من أى نوع.. وهناك سلطات تعرف ذلك ولكن هذه المطابع تسدد لبعض الفاسدين رواتب شهرية بانتظام.
وهناك دخول طفيلية.. يقتسمها أصحابها مع سلطات سيادية لا يستطيع أن يقترب منها أحد مهما كان لديه من صلاحيات.. مثل سياس الشوارع.. فتحت كوبرى ميدان الأوبرا السايس يأخذ منك عشرة جنيهات فى الساعة.. أمام ضباط وأمناء شرطة المرور.. وكذلك فى وسط البلد وفى كل شوارع القاهرة المهمة.. وكل مكان حيوى فيه أزمة فى إيقاف السيارات.. وبالطبع هناك (الونش، والكلبشة) كأدوات لإخافة أصحاب السيارات فتضطر أن تخضع لابتزاز السايس الذى يحصل يوميا على دخل لا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه يوميا.. وقد يصل إلى خمسة آلاف.. وعندما سألت أحد السياس.. قال لى: والله أنا نصيبى طوال النهار لا يزيد على مائة وخمسين جنيها.. فسألته عن باقى الإيراد فنظر إليَّ مبتسما ابتسامة ذات مغذى قائلا: «بيروح لصاحب النصيب والقسمة.. ما توديناش فى داهية بقى يا بيه !».. والحل الثانى يكمن فى زيادة الإنتاج وبالتالى التصدير للحصول على العملة الصعبة.. فهل ستفكر الحكومة فى استكمال عجز الموازنة من خارج محفظة المواطن الفارغة؟ لا أعتقد ذلك!