المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. جامعة القاهرة "الخاصة"!!
كانت لدينا شركة قطاع عام ناجحة جداً اسمها "الشركة المصرية لتسويق الأسماك".. متخصصة في نقل وتجارة الأسماك من بحيرة السد العالي "بحيرة ناصر" إلي جميع أنحاء الجمهورية بواسطة أسطول كبير من السيارات المجهزة بالثلاجات.. كانت تبيع كيلو السمك- البلطي بالذات- بقروش معدودة من خلال منافذها المتاحة للمواطنين بالأحياء بالإضافة إلي المجمعات الاستهلاكية بالقري والمدن.. وكان السمك حينذاك يسد جانباً مهماً من عجز اللحوم والدواجن.
كانت لدينا صناعة ثقيلة في مجال صيد الأسماك وتسويقها عبر هذه الشركة التي يعمل بها آلاف العمال والموظفين.. إلي جانب الصيادين الذين يعملون في بحيرة ناصر والبحيرات الأخري وعلي امتداد نهر النيل وشواطئنا البحرية.. ويجدون الشركة التي تشتري إنتاجهم يوماً بيوم وتوفر لهم دخلاً مضموناً فتنشط مهنتهم وتتحسن أحوالهم المعيشية.
وفي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي بدأ فيروس الخصخصة يغزو هذه الشركة بطريقة مريبة تحت لافتة الاستثمار والتجديد والتطوير والتوسع وتعظيم المكاسب.. وكانت البداية بتأسيس شركة قطاع خاص تساهم الشركة المصرية في رأس مالها لتكون شريكا فيها.. ولضمان نجاح الشركة الوليدة تم إسناد رئاستها إلي رئيس مجلس إدارة الشركة الأم وضاعفوا راتبه.. فماذا كانت النتيجة؟!
تستطيع أن تستنتج كيف اجتهد الرئيس ومعاونوه في تسخير إمكانيات الشركة الأم لحساب الشركة الوليدة دون رقابة.. فالدفاتر دفاترنا.. والأختام أختامنا.. وكان المطلوب سياسياً واقتصادياً إثبات أن القطاع العام فاشل والقطاع الخاص هو الحل.
بعد سنوات قلائل كان لابد مما ليس منه بد.. فقد فشلت الشركتان.. وانهارت صناعة وتجارة الأسماك في بلادنا.. حتي وصل كيلو السمك "البلطي" إلي 20 جنيهاً وأكثر في بلد النيل.. وسمعت صرخات الصيادين من أسوان في القاهرة والإسكندرية.. وتوحشت الأسماك في بحيرة ناصر.. وصرنا نستورد أردأ أنواع الأسماك من الصين وفيتنام.
- ما مناسبة استدعاء هذه التجربة الأليمة؟!
* الشجي يبعث الشجي.. وما قاله الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة في "الأهرام" يوم الجمعة الماضي حول "جامعة القاهرة الخاصة" هو ما هيج الذكري.. واستدعي التجربة.. فقد ذكر أن هذه الجامعة ستقام علي 575 فدانا بمدينة الشيخ زايد.. وهي عبارة عن جامعة أهلية بمصروفات تابعة لجامعة القاهرة باسم "جامعة القاهرة الدولية".. وتجري الآن مفاوضات شراكة مع أكبر جامعات الصف الأول علي مستوي العالم.. وستكون بمثابة انطلاقة كبري للسياحة التعليمية.. إذ أنها تستقطب طلاباً من جميع دول العالم مما يؤدي إلي الدعم القوي للاقتصاد القومي!! وهذا النوع من السياحة التعليمية هو نوع جديد ولابد من الالتفات إليه لأنه سيكون الأفضل والأكثر نجاحاً في مجالات الاستثمارات.
أكد د. نصار أن الدراسة في الجامعة الجديدة في كل كلية سيكون لها مناظر دولي بمستوي تعليمي عال جداً.. مشيراً إلي أن المرحلة الأولي لهذا المشروع ستصل تكلفتها إلي نحو 5 مليارات جنيه ومن المتوقع أن تبدأ الدراسة بها عام .2020
والآن.. هل تجد شبهاً بين تجربة جامعة القاهرة الدولية وتجربة الشركة المصرية لتسويق الأسماك؟! وهل هذه الجامعة الوليدة ستكون التفافاً علي مجانية التعليم؟! وهل نحن بحاجة إلي مزيد من الجامعات الخاصة والدولية أم إلي تطوير جامعاتنا وتجويد العملية التعليمية وتحسين سمعة جامعتنا الأم عالمياً؟!.. ومن يضمن لنا عدم تفريغ الجامعة الأم لصالح الجامعة الوليدة؟!.. ثم.. من أين سنأتي بالمليارات الخمسة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف